خبير التقنية والبيانات الدكتور حمزة العكاليك يكتب لـ ” رقمنة” …… شريان الحياة الرقمي: تحويل البيانات إلى قرارات قوية

35

رقمنة

*د. حمزه العكاليك

في العصر الرقمي، أصبحت البيانات المورد الأهم للمؤسسات الحديثة. حيث لم تعد البيانات مجرد أرقام صامتة، بل تحولت إلى شريان حياة يغذي القرارات الذكية ويدعم الابتكار. فالقدرة على جمع البيانات وتحليلها وتحويلها إلى رؤى قابلة للتنفيذ لم تعد ترفًا بل ضرورة تمكّن المؤسسات من المنافسة والتطور.

ولتحقيق هذه الغاية، تسعى المؤسسات إلى بناء منصات بيانات حديثة تضمن الإدارة الفعالة للبيانات. حيث تبدأ الرحلة من خلال تصميم إطار حوكمة متين ينظم كيفية جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها. وهذا الإطار يُعدّ البوصلة التي توجه سير البيانات داخل المؤسسة لضمان جودتها وسهولة الوصول إليها.

وتلعب جودة البيانات دورًا حاسمًا؛ فالبيانات غير الدقيقة تؤدي إلى قرارات خاطئة. لذا توضع ضوابط دقيقة لفحص البيانات وتصحيحها. كما يتم إنشاء كتالوج بيانات موحّد يضم تعريفات واضحة للمصطلحات وفهرسة دقيقة ليكون مرجعًا موثوقًا للمستخدمين في جميع الأقسام.

ولتسهيل تتبع البيانات تُعتمد سجلات بيانات تسجل تاريخ كل عنصر ومصدره. وهذا يعزز الشفافية ويُسهل التعاون بين الفرق. وتُعد هذه الخطوات حجر الأساس لمنصة بيانات موثوقة وفعالة.

والخطوة التالية هي تحديد مصادر البيانات التي ستغذي المنصة. وتشمل هذه المصادر أنظمة التشغيل مثل ERP وCRM، والتي تُنتج بيانات غنية عن العمليات والمعاملات. كما تُستخدم الملفات بأنواعها المختلفة مثل CSV، بالإضافة إلى مصادر أكثر تقدمًا كأجهزة إنترنت الأشياء (IoT) والمستشعرات الذكية التي توفر بيانات لحظية تساعد على مراقبة الأداء والبيئة التشغيلية.

وبعد جمع البيانات تأتي مرحلة التخزين الأولي في بحيرة البيانات  (Data Lake) وهي مستودع كبير يحتفظ بالبيانات الخام كما هي دون معالجة. ويتيح هذا الأسلوب مرونة كبيرة حيث يمكن استخدام هذه البيانات لاحقًا لاكتشاف أنماط جديدة وفرص لم تكن واضحة عند جمعها.

تنتقل البيانات بعدها إلى مرحلة التجهيز والتحليل عبر مستودع البيانات (Data Warehouse) أو البنية الحديثة المعروفة باسم “Lake House”. هنا يتم تنظيف البيانات وتحويلها وتنظيمها لتصبح جاهزة للتحليل. ويشمل ذلك أيضًا إنشاء “متاجر بيانات”  (Data Marts)  مخصصة لتلبية احتياجات أقسام معينة مثل التسويق أو المبيعات مما يعزز الكفاءة والسرعة في الوصول إلى البيانات المناسبة.

ولتحقيق أقصى قيمة من هذه البيانات تُعتمد تقنيات التحليل الفوري  (Real-time Analytics) التي تتيح استنتاج رؤى لحظية. وتُستخدم البيانات أيضًا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي عبر “مخزن المزايا ” (Feature Store)، ما يُسرّع بناء أنظمة ذكية تتنبأ بالاتجاهات وتدعم اتخاذ القرار.

كل هذه الجهود تهدف في النهاية إلى تمكين مستخدمي البيانات من اتخاذ قرارات أفضل. ويتم ذلك من خلال أدوات ذكاء الأعمال  (BI)  التي تقدم لوحات معلومات تفاعلية وتقارير غنية. كما تُطوّر تطبيقات ذكية تقدم خدمات دقيقة مثل التوصيات الشخصية أو التنبؤ بالطلب.

ولضمان تدفق سلس بين هذه المكونات، تعتمد المنصة على آلية “حافلة الأحداث ” (Event Bus)، التي تسمح بربط الأنظمة والتطبيقات المختلفة وتبادل البيانات بينها في الوقت الحقيقي. هذا يُمكّن جميع أقسام المؤسسة من العمل على بيانات موحدة ومحدثة باستمرار.

لكن لا يمكن لأي منصة بيانات أن تعمل بكفاءة دون بنية تحتية قوية. لذلك، تُعتمد حلول متقدمة لإدارة الوصول والتشفير والنسخ الاحتياطي إلى جانب موارد الحوسبة والتخزين وأنظمة مراقبة لضمان الاستقرار والكفاءة.

في المحصلة  تمثل منصة البيانات الحديثة أكثر من مجرد أداة تقنية؛ إنها محرك للتحول المؤسسي. فمن خلال استخدامها تستطيع المؤسسات تعزيز الابتكار وتقليل المخاطر وتحقيق نمو مستدام.

لم يعد السؤال “هل يجب تبني منصة بيانات؟” بل “كيف يمكن تسريع الاستفادة منها لتحقيق التفوق في عصر البيانات؟”. هل مؤسستاتنا في لاردن مستعدة لهذه الرحلة التحويلية نحو المستقبل؟

*خبير في مجال التقنية والبيانات

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد