
رقمنة
يعد دعم حاضنات الأعمال الزراعية، استثمارا إستراتيجيا في مستقبل القطاع الزراعي وضمان استدامته، كما أنها رهان حقيقي على قدرة الشباب على قيادة التغيير والابتكار نحو تحقيق الأمن الغذائي، كما أنها تسهم بتحقيق السيادة الغذائية والنهوض بالاقتصاد الوطني، فهي تمثل جسرا حقيقيا نحو تحويل الزراعة التقليدية إلى صناعة حديثة، تواكب مستجدات العصر، وتستجيب لتحدياته، وترسم ملامح مستقبل أكثر إشراقاً للأردن وأجياله القادمة.
وأشار خبراء زراعيون في أحاديث منفصلة لـ”الغد”، إلى أنه رغم نجاح بعض حاضنات الأعمال الزراعية، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات تُعيق توسعها وتحقيق الأثر المنشود، وفي مقدمتها محدودية التمويل المتاح للمراحل الأولى من المشاريع الريادية، وضعف التكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ونقص بالكوادر المؤهلة القادرة على إدارة المشاريع الزراعية بمنهجية الأعمال الحديثة، إلى جانب صعوبة وصول هذه المشاريع الناشئة للأسواق الخارجية إلى منافسة المنتجات المستوردة وانخفاض مستوى المعرفة بالتجارة الدولية.
تحويل الأفكار الواعدة
لمشاريع مستدامة
وفي السياق، قال رئيس جمعية التمور الأردنية والخبير الزراعي د. أنور حداد، لطالما كان القطاع الزراعي ركيزة أساسية في الأمن الغذائي والاقتصادي، ومع التحديات المتزايدة كشح الموارد وتغير المناخ، بات لزاماً التحول نحو نموذج زراعي يعتمد على الابتكار وريادة الأعمال.
وتابع، يبرز الدور المحوري لحاضنات الأعمال الزراعية، كآلية فعالة لتمكين الشباب وتحويل الأفكار الواعدة إلى مشاريع مستدامة، مضيفا، إنها ليست مجرد مساحة مكتبية، بل هي منظومة متكاملة لدعم المشاريع الناشئة والشركات الصغيرة في مراحلها التأسيسية حيث أنها “برامج متخصصة تركز على احتضان المشاريع التي تخدم القطاع الزراعي والنظم الغذائية، وتزود رواد الأعمال الشباب بكل ما يلزمهم لتجسير الفجوة بين الفكرة والتطبيق التجاري الناجح”.
وبين أن الحاضنات توفر عادة بيئة خصبة تشمل، البنية التحتية المتخصصة، وتوفير مختبرات للبحث والتطوير، وحقول تجريبية لإجراء اختبارات الجدوى والفاعلية، اضافة للدعم الإرشادي والتقني، وتقديم استشارات معمقة في الجوانب الإدارية، المالية، القانونية، وإدارة سلاسل الإمداد الزراعي، فضلا عن شبكات العلاقات التي تربط رواد الأعمال بالخبراء، والموجهين، والمستثمرين، ومؤسسات التمويل.
ووفقا لحداد، فإن الأهداف الإستراتيجية للحاضنات، لا تقتصر على تحقيق الربح، بل تتجاوز ذلك لتشمل محاور التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فهي تعمل على دعم ريادة الأعمال الشبابية، وتجميع الطاقات الشابة وتوجيهها نحو مشاريع استثمارية قائمة على الإبداع، وخلق فرص عمل نوعية والمساهمة الفعالة بمكافحة البطالة، عبر توليد وظائف ذات قيمة مضافة بالقطاع الزراعي والخدمات المرتبطة به، فضلا عن تنويع الاقتصاد الوطني وضخ مشاريع مبتكرة، تساهم بنمو الناتج المحلي الإجمالي وتخفف الاعتماد على المصادر التقليدية.
كما تعمل على تعزيز الاستدامة وحماية المشاريع الناشئة من التعثر، والمساهمة في تبني ممارسات زراعية مسؤولة بيئياً واقتصادياً، بما يدعم الأمن الغذائي طويل الأمد.
وتعتبر الحاضنات بحسب حداد، بيئة مهمة للتمكين والابتكار وتمثل تجربة مهمة بدعم الابتكار وتمكين الشباب عبر تمكينهم وبناء قدراتهم، بحيث تساعد على تجسير الفجوة بين المعرفة الأكاديمية ومتطلبات السوق.
وزاد، لا تكتفي بالتدريب على الجانب الإداري والتسويقي فحسب، بل توفر بيئة تجريبية آمنة حيث يمكن للشباب اختبار وتطوير نماذجهم الأولية (مثل تقنيات الري الذكي أو الزراعة المائية) باستخدام مختبرات وحقول حقيقية قبل المغامرة بدخول السوق، فضلا عن دفع عجلة المشاريع المستدامة، بحيث تعمل الحاضنات كـآلية ترجمة لنتائج البحث العلمي الزراعي وتحويلها لمشاريع إنتاجية قابلة للتطبيق التجاري، ما يضمن بأن المشاريع المحتضنة تدعم كفاءة استخدام الموارد (خاصة المياه والطاقة)، وتساهم بتحسين جودة الإنتاج، ما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية.
وتساهم الحاضنات، بحسب حداد، بقيادة الابتكار بالقطاع الزراعي، حيث تلعب دور الجسر التكنولوجي الذي يربط الزراعة التقليدية بالتكنولوجيا الحديثة، فهي تشجع على تطبيق التكنولوجيا الزراعية (عبر دمج الحلول الرقمية والذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، بالعمليات الزراعية)، ما يولد حلولا جديدة ومبتكرة للتصدي لأخطر التحديات التي تواجه القطاع، مثل التغير المناخي وشح المياه.
وأشار الى أن دعم حاضنات الأعمال الزراعية بمختلف المحافظات، ليس مجرد دعم لفرص العمل، بل هو استثمار إستراتيجي بمستقبل القطاع الزراعي وضمان استدامته، ورهان حقيقي على قدرة الشباب على قيادة التغيير والابتكار نحو تحقيق الأمن الغذائي.
ولفت إلى أنه كان لحاضنة الأعمال الموجودة في المركز الوطني للبحوث الزراعية، دور بإطلاق العديد من المبادرات والمشاريع والأفكار، التي تحولت لنماذج ناجحة ومشاريع مرشحة للنمو والتطور.
تحول تدريجي بتبني مفاهيم الريادة
من جهته بين الخبير الدولي في مجال الأمن الغذائي د.فاضل الزعبي، أن الساحة الزراعية في الأردن تشهد تحوّلاً تدريجياً نحو تبني مفاهيم الريادة والابتكار، حيث تبرز الحاضنات، كأداة محورية بتمكين الشباب وتحفيزهم على تحويل أفكارهم الإبداعية، لمشاريع إنتاجية قادرة على النمو والاستمرارية.
واضاف، لا تقتصر هذه الحاضنات على تقديم الدعم المالي فحسب، بل تمثل منصات متكاملة توفر التدريب المتخصص والإرشاد التقني والاستشارات الإدارية، إضافة لتسهيل الوصول للأسواق المحلية والعالمية وجذب المستثمرين، ما يخلق بيئة خصبة لانطلاق مشاريع زراعية مستدامة تساهم في تحقيق الأمن الغذائي.
وتابع، على الأرض، بدأت العديد المبادرات تظهر أثرا ملموسا، حيث أطلق المركز الوطني للبحوث الزراعية برامج حاضنة، تهدف لرعاية مشاريع زراعية مبتكرة، كالزراعة المائية والذكية مناخيا، وقد نجحت تلك البرامج بمساعدة عدد من الشباب الطموح في تأسيس شركات ناشئة توسعت تدريجياً وتمكنت من تسويق منتجاتها خارج الحدود المحلية.
وزاد، ساهمت جامعات رائدة كالجامعتين الأردنية والعلوم والتكنولوجيا، بتعزيز هذا التوجه عبر إنشاء حاضنات أعمال داخل الحرم الجامعي، سعياً لتحويل مخرجات الأبحاث العلمية إلى مشاريع تجارية قائمة على المعرفة.
ولم يتوقف الأمر عند القطاع العام، فقد شهد القطاع الخاص، بدوره ولادة شركات ناشئة متخصصة في التقنيات الزراعية الرقمية، نمت لتصبح شريكاً فاعلاً في سلاسل التوريد والإنتاج وفقا للزعبي.
وأشار الى انه رغم تلك النجاحات، لا تزال حاضنات الأعمال الزراعية تواجه جملة من التحديات التي تُعيق توسعها وتحقيق الأثر المنشود، في مقدمتها محدودية التمويل المتاح للمراحل الأولى من المشاريع الريادية، وضعف التكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ما يضعف فعالية البرامج ويمنع تحقيق التكاملية المطلوبة.
ولفت إلى أنه يلاحظ نقص بالكوادر المؤهلة القادرة على إدارة المشاريع الزراعية بمنهجية الأعمال الحديثة، وصعوبة وصول هذه المشاريع الناشئة للأسواق الخارجية إلى منافسة المنتجات المستوردة وانخفاض مستوى المعرفة بالتجارة الدولية.
وقال إنه لتحقيق قفزة نوعية بهذا القطاع، يتعين العمل على عدة محاور متوازية، أبرزها تأمين تمويل ميسر وكافٍ عبر صناديق دعم مخصصة للشباب الرياديين بالمجال الزراعي، بناء شراكات إستراتيجية فاعلة بين الجامعات والقطاع الخاص لتبادل الخبرات وتوجيه الأبحاث نحو حل المشكلات الحقلية الحقيقية، كما يعد إدماج التكنولوجيا الزراعية المتقدمة ضمن برامج الحاضنات أمراً حتمياً لضمان قدرة المشاريع الناشئة على المنافسة، إلى جانب إنشاء شبكة وطنية موحّدة تصل كل الحاضنات وتسمح بتقاسم المعرفة والموارد والخبرات.
وبين أن النهوض بالحاضنات يتطلب إرادة سياسية واعية وتموضعه في صلب أولويات الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
ودعا الزعبي لإدراج حاضنات الأعمال الزراعية كأحد محركات الإستراتيجية الوطنية للشباب والأمن الغذائي، وتصميم حزمة حوافز ضريبية وتشريعية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذه الحاضنات، وتوسيع نطاقها الجغرافي ليشمل جميع المحافظات تحقيقاً لمبدأ العدالة في الفرص، وتعزيز التعاون بين الحاضنات ومراكز الأبحاث لضمان استفادة المشاريع الريادية من آخر التطورات العلمية والتقنية.
وأكد أن دعم حاضنات الأعمال الزراعية ليس خيارا ثانويا، بل هو استثمار إستراتيجي في رأس المال البشري الشبابي، ولبناء قطاع زراعي مرن ومبتكر، قادر على الإسهام بتحقيق السيادة الغذائية والنهوض بالاقتصاد الوطني، فالحاضنات تمثل جسرا حقيقيا نحو تحويل الزراعة التقليدية إلى صناعة حديثة، تواكب مستجدات العصر، وتستجيب لتحدياته، وترسم ملامح مستقبل أكثر إشراقاً للأردن وأجياله القادمة.
تعزيز ريادة الأعمال الزراعية
من جانبه، قال وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري، إن الحاضنات هي منصات تنظيمية وإدارية تجمع بين الدعم الفني، والإرشاد الإداري، والتمويل المبدئي، والتدريب التطبيقي لتمكين الشباب والمزارعين المبتكرين من تحويل أفكارهم الزراعية لمشاريع إنتاجية ناجحة.
واضاف، عادةً ما تنشأ هذه الحاضنات بدعم من وزارات الزراعة، الجامعات، الجمعيات التعاونية، أو مؤسسات التنمية الريفية، وتعمل ضمن إطار وطني لتعزيز ريادة الأعمال الزراعية.
وتابع، ان الحاضنات الزراعية تهدف لتمكين الشباب الرياديين ومساعدة خريجي كليات الزراعة والمبتكرين، بتحويل أفكارهم لمشاريع واقعية، وتعزيز القيمة المضافة وتشجيع استخدام التكنولوجيا والمعرفة لزيادة الإنتاجية وجودة المنتج الزراعي، ودعم الابتكار الزراعي وربط البحث العلمي بالتطبيق العملي عبر نماذج تجريبية بالبيوت المحمية أو المزارع الذكية، خلق فرص عمل في الريف ناهيك عن تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المحافظات للحد من البطالة والهجرة الداخلية.
ولفت الى ان تسهيل الوصول للتمويل يكون عبر تهيئة المشاريع للحصول على قروض أو استثمارات من مؤسسات التمويل الزراعي والمصارف التنموية، وتشجيع الزراعة المستدامة ونشر تقنيات الري بالتنقيط، والطاقة الشمسية، وإعادة تدوير المياه، والزراعة الدقيقة.
وزاد، توفر الحاضنات مسارًا آمنا للتجربة والخطأ ضمن بيئة تعليمية موجهة، ما يقلل المخاطر التي قد تواجه الشاب عند بدء مشروعه بمفرده، كما إنها تقدم التدريب العملي والإرشاد الإداري والتقني، وتوفر مزارع تجريبية أو مختبرات لاختبار الأفكار الجديدة، وتساعد بالتسويق وربط المنتجين بالمستهلكين أو بالأسواق التصديرية، وتُهيئ الشباب للتعامل مع الأنظمة الحكومية، التراخيص، وضمان الجودة.
وقال إن الحاضنات نقطة التقاء بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق الميداني، فهي تتيح للشباب تجريب حلول جديدة بالزراعة الذكية والرأسية، واستخدام الطائرات المسيّرة، وتقنيات الاستشعار عن بعد، مبينا أنه عبر دعمها البحثي والعملي، يمكن أن تصبح الحاضنات مراكز لنقل التكنولوجيا الزراعية وتوطين الابتكارات، ما يسهم برفع إنتاجية الدونم الواحد وتقليل استهلاك المياه والطاقة.
تنظيم المعرفة الريادية والأفكار الإبداعية
بدوره قال الباحث والخبير في الشؤون الزراعية والتنموية د. حسان العسوفي، إن العالم يتجه لتعزيز الأمن الغذائي في ظل الازدياد المتسارع بعدد السكان العالمي ومحليا هناك إرادة سياسية واضحة وبتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني لتعزيز الأمن الغذائي والأمن المائي.
وأضاف، في ظل التحديات المناخية التي يواجهها القطاع الزراعي وما يترتب عليها من ندرة في المياه وآثار مباشرة على الغطاء النباتي والمراعي والثروات النباتية والحيوانية أصبح تعزيز سلاسل الإنتاج والتوريد بأساليب ريادية ومبتكرة ضرورة ملحة في التكيف مع التحديات المناخية.
وتابع، المعرفة النظرية لا تكفي لإيجاد الحلول المناسبة للعديد من التحديات وخصوصاً تلك التي تتعلق بالأساليب والطرق والممارسات الزراعية المختلفة، إذ لم تنتج أفكار إبداعية وريادية لتوظيف المعارف واستثمارها بشكل إنتاجي ومستدام.
وزاد، في زمن تتسارع به نظم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء وغيرها، أصبح من الممكن خلق أفكار ريادية بإدارة الموارد الزراعية كتحليل التربة ودراسة ملاءمتها، إدارة المراعي، تشخيص والتنبؤ بالآفات الزراعية ودراسة احتياجات السوق… الخ.
وقال أصبحنا بحاجة ملحة لتنظيم المعرفة الريادية والأفكار الإبداعية ضمن تنظيمات (جمعيات) ودعمها لتكون نواة لمشاريع ريادية ومبتكرة في القريب العاجل، مبينا أننا أحوج ما نكون لمظلة تتبنى الأفكار الريادية وتعزيزها لتكون روافد اقتصادية ذات قيم مضافة لتحسين سبل العيش واستدامة التنمية الزراعية.
واشار الى أن حاضنة الابتكار في المركز الوطني للبحوث الزراعية وجمعية الريادة والابتكار الزراعية نماذج في تأسيس العمل الريادي ومزود فني لتعزيز الأفكار الإبداعية لدى الريادين الشباب والمزارعين والسيدات الريفيات.
واشار الى انه على الرغم من وجود العديد من الأفكار الإبداعية والريادية التي نجحت في تحويل المعرفة لمشاريع اقتصادية، إلا أنه لا زالت الحاجة ملحة لتنظيمها تحت مظلة واحدة تعني بالعمل الريادي وتعزيزه وتقديم الدعم والتمويل بالإضافة للتوجيه الفني كي يساهم في تحسين الإنتاج وتعظيم الاستفادة من الاقتصاد المعرفي.
وقال إن أساليب متطورة في الزراعة الذكية وطرق التسويق وأساليب الإنتاج وإدارة الموارد جميعها تتضمن أفكارا ريادية ومبتكرة في تطوير الاقتصاديات المعرفية، مبينا أنه على القطاعين الخاص والعام التعاون في تقديم فرص تدريبية وتطويرية لدعم المشاريع والبرامج الريادية على حد سواء.
المصدر : بترا – عبدالله الربيحات



