أول مرشحة أردنية لرحلة فضائية : لا تتوقفوا عن الحلم مهما بدا صعبا

4

رقمنة

في خطوة كبيرة على مستوى الأردن، أعلنت شركة Titans Space Industries اختيار المهندسة الأردنية سلام أبو الهيجاء كأول مرشحة أردنية للانضمام إلى برنامجها التدريبي الفضائي، الذي يمتد على مدار ثلاث سنوات ويعد من البرامج الرائدة في إعداد رواد فضاء مدنيين حول العالم.

اختيار سلام لا يمثل مجرد إنجاز فردي، بل يعد منعطفا نوعيا في حضور الأردن على خريطة الفضاء العالمية، ورسالة واضحة بأن الكفاءات الأردنية، لا سيما النسائية، قادرة على اقتحام أكثر الحقول تخصصا وتعقيدا.

تجسد هذه الخطوة حجم التقدم الذي تحققه المرأة الأردنية في ميادين العلم والتكنولوجيا، حيث لم تعد مشاركتها رمزية أو محدودة، بل باتت فاعلة ومؤثرة، تمتد من المختبرات الأرضية إلى الاستعداد لخوض تجارب في الفضاء الخارجي. كما تفتح هذه الخطوة أبواب الحلم لجيل جديد من الشباب والفتيات، يرى في الفضاء ليس مجرد خيال علمي أو رفاهية علمية لدول متقدمة، بل مجال حقيقي للإبداع والابتكار والمساهمة في مستقبل البشرية.

من طفلة حالمة إلى مرشحة للفضاء

سلام، خريجة الهندسة الميكانيكية ومصممة بدلات فضاء تدريبية، ورائدة فضاء “تناظرية” شاركت في محاكاة بيئات فضائية، تروي لـ”الغد” كيف بدأ شغفها. تقول “منذ طفولتها، كانت عينا سلام تتجهان نحو السماء، حيث بدأ شغفها بالفضاء مبكرا وترسخ عاما بعد آخر. ومع كل مرحلة من مراحل حياتها، كانت تخط طريقها بعناية نحو هذا الحلم من اختيار تخصص الهندسة الميكانيكية، إلى مشروع تخرج يرتبط بمجال الفضاء، وصولا إلى العمل في تصميم بدلات فضائية تدريبية، ظل هدفها واضحا لا تحيد عنه”.

لم يكن الفضاء بالنسبة لها مجرد موضوع علمي تدرس فيه القوانين والمعادلات، بل “عالم خيالي” كما وصفته، عالم واسع يتجاوز حدود المنطق والمألوف، لطالما أسر خيالها وأشعل في داخلها رغبة الاكتشاف والمغامرة. كانت الأفلام التي تعرض مشاهد الفضاء، والسفر بين الكواكب، تلهمها وتمنحها شعورا بأن المستحيل قد يكون ممكنا. تلك المشاهد لم تكن مجرد تسلية، بل نوافذ نحو حلم كانت تؤمن بقدرته على التحقق، إذا ما اقترن بالشغف والعلم والإصرار.

تدريب مكثف مدة 3 سنوات

البرنامج الذي التحقت به سلام يمتد على مدار ثلاث سنوات، ويعد من أكثر البرامج الفضائية تطورا في العالم، وهو مخصص لتأهيل رواد فضاء مدنيين عبر مجموعة من التدريبات المكثفة والمتقدمة على المستويات الجسدية والنفسية والعقلية. ويتضمن البرنامج تمارين تحاكي بيئة الفضاء، مثل التدريب تحت الماء لمحاكاة انعدام الجاذبية، والعمل في ظروف قاسية بهدف تعزيز قدرة المتدربين على التكيف والصمود.

ويعد برنامج Titans Space Industries تجربة فضائية متكاملة، ترتكز على استخدام أحدث تقنيات الطيران الفضائي، والتعامل مع محطات وأجهزة روبوتية متطورة، تحت إشراف نخبة من الخبراء الدوليين في علوم الفضاء والطب والفيزياء، وذلك استعدادا لإطلاق أولى المهمات الحقيقية المقررة في العام 2029.

توضح سلام “نتعلم كيف نتصرف في بيئة غير مألوفة، كيف نحافظ على توازننا النفسي والجسدي، وكيف نواجه تحديات الفضاء بثبات ووعي، لأن الرحلة إلى الفضاء ليست مجرد إنجاز تقني، بل اختبار شامل للإنسان بكل ما فيه”.

ورغم أن التحديات جزء لا يمكن فصله عن أي مسار غير تقليدي، لا تنظر سلام إليها باعتبارها عائقا، بل كدافع إضافي للاستمرار. فكل ما ينتظرها في السنوات المقبلة من اختبارات وضغوطات وتدريبات، تراه خطوة ضرورية نحو هدف أكبر من حلم شخصي.

تقول “ما بشوف التحديات عائق، أنا داخلة هالمرحلة بإيمان وثقة، لأنها بداية مش بس لحلمي، بل لباب ممكن يفتح للعديد من الأردنيين بعدي”.

بالنسبة لها، خوض هذا البرنامج ليس فقط اختبارا للقدرة والصبر، بل فرصة لصناعة أثر، ورسالة بأن أبناء الأردن قادرون على الوصول إلى مجالات ظلت حكرا على دول أخرى، متى ما وجدت الإرادة والدعم والرؤية.

إنجاز شخصي وطني

أن تكون أول أردنية ترشح للانضمام إلى برنامج فضائي دولي هو بالنسبة لسلام مصدر فخر واعتزاز شخصي، لكنه لا يقتصر على الإنجاز الفردي، بل يتجاوز ذلك ليحمل بعدا وطنيا أوسع. فهي ترى في هذا الاختيار تمثيلا لوجه الأردن الطموح، وقدرة شبابه على خوض ميادين علمية متقدمة، طالما اعتبرت حكرا على الدول الكبرى.

وتؤكد “هذا نجاح وطني. حلمي أن يضاء اسم الأردن في فضاء العالم، ونثبت أن شباب الأردن قادرون على الوصول لأبعد نقطة ممكنة، حتى لو كانت خارج كوكب الأرض”.

بالنسبة لها، المشاركة في هذا البرنامج لا تجسد طموحا شخصيا فحسب، بل رسالة أمل لجيل كامل من الشباب الأردني بأنه لا سقف للأحلام، وأن الانخراط في مجالات دقيقة، مثل علوم الفضاء، لم يعد ضربا من الخيال، بل خيار واقعي ومتاح لمن يمتلك الشغف والإصرار.

المرأة الأردنية وقدرتها على التميز والريادة

رغم ما قد تواجهه النساء من تحديات مجتمعية أو مهنية، تؤمن سلام بأن المرأة الأردنية أثبتت مرارا قدرتها على التميز والريادة، خاصة في المجالات العلمية والتقنية التي تعرف اختصارا بـSTEM (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة والرياضيات). ومن خلال مبادرتها “مينا” -وهي منظمة غير ربحية تعنى بتمكين الشباب الأردني في مجالات الفضاء والتكنولوجيا- تعمل سلام على خلق بيئة محفزة تحتضن المواهب وتمنحها فرصة التعبير والابتكار.

وتشير بفخر إلى أن ما يقارب 45 % من المتطوعين في المنظمة هم من الفتيات والنساء، ما يعكس الحضور الفاعل والواعد للمرأة الأردنية في هذا الحقل. ووفق قولها، “فإن الفتيات في الأردن يمتلكن طاقات استثنائية، وغالبا ما ينتظرن فقط من يؤمن بهن ويدعمهن ويوفر لهن الفرصة.

وأتمنى ألا أكون حالة فردية، لأنني على يقين بوجود العديد من الشابات القادرات على خوض هذا الطريق وإثبات تميزهن”.

من وجهة نظرها، تكمن الخطوة الأولى في كسر الصور النمطية وفتح المجال أمام الفتيات لخوض تجارب غير تقليدية، مؤكدة أن تمكين المرأة في هذا المجال لا ينعكس فقط على مستوى الإنجاز الفردي، بل يسهم في بناء مجتمع علمي أكثر شمولا وقدرة على الابتكار.

الفضاء بوابة لنهضة شاملة

لا ترى سلام في الفضاء مجرد رحلة استكشافية إلى خارج حدود الأرض، بل تعتبره بوابة لإعادة صياغة علاقتنا بالعلم والمعرفة، وفرصة لفهم أعمق للتكنولوجيا وتطبيقاتها المتقدمة. من وجهة نظرها، فإن قطاع الفضاء يمثل مستقبل البشرية، ودخوله يعني الانخراط في عصر جديد من الابتكار والبحث العلمي، يتطلب استعدادا مبكرا يبدأ من مقاعد الدراسة.

وتعبر سلام عن رؤيتها، بالقول “إن الفضاء ليس مجرد مفهوم نظري أو خيال علمي، بل هو علم تطبيقي له تأثير مباشر على حياتنا. إذا تمكنا من ترسيخ هذا الفهم لدى الأجيال الجديدة، سواء من خلال المناهج الدراسية أو الأنشطة التوعوية، ستتغير نظرتنا تماما لهذا المجال”. وتطمح، خلال السنوات الخمس المقبلة، إلى رؤية الأردن يحتل موقعا متقدما عالميا في قطاع الفضاء، من خلال كوادر علمية محلية قادرة على الابتكار والمشاركة في مشاريع فضائية حقيقية.

بالنسبة لها، بناء هذا الحضور لا يقتصر على تدريب الأفراد أو إعداد الرواد، بل يشمل أيضا خلق وعي وطني شامل بأهمية هذا القطاع كرافعة للتنمية العلمية والاقتصادية. وترى أن الفضاء يمكن أن يكون محركا لتطور شامل، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى المجتمعات والدول.

ما بين الطفولة والكون: رسالة إلى الجيل القادم

وفي ختام حديثها، توجه سلام أبو الهيجاء رسالة مؤثرة إلى الأطفال والمراهقين الذين قد يرون فيها نموذجا يحتذى به، بألا يتوقفوا عن الحلم، مهما بدا الطريق بعيدا أو صعبا. فالأحلام العظيمة لا تقاس بمسافاتها، بل بالإصرار على تحقيقها.

وهي على يقين بأن اللحظة المناسبة ستأتي، والظروف ستتهيأ، فقط إن تمسك الإنسان بالشغف وتسلح بالعلم، وبقي على تماس دائم مع تطورات التكنولوجيا.

فحقبة الفضاء ليست بعيدة، بل هي قادمة لا محالة، ويجب الاستعداد لها.

رحلة سلام المرتقبة، التي من المتوقع أن تنطلق في العام 2029، ليست مجرد إنجاز شخصي، بل بداية لمسار جديد يضع الأردن على خريطة الفضاء العالمية. من خلال تصميمها وإصرارها، تفتح الباب أمام جيل جديد من الأردنيين ليرفعوا سقف الطموح، ويروا في السماء نقطة انطلاق، وليس حدودا.

إنها لا تنطلق إلى الفضاء فحسب، بل تضع بتجربتها حجر الأساس لمستقبل فضائي أردني واعد، وتدعو شباب وطنها ليكونوا شركاء في هذا الأفق الجديد. وتجسد بإصرارها صورة جديدة للشباب الأردني: طموح، مؤمن، ومصمم على ترك أثر حتى في أعماق الكون. 

الغد – رؤى ايمن الدويري 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد