رقمنة
*الدكتورة لينا الحياري
مع تسارع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، أصبحت الحاجة ملحّة لتفعيل دور الجامعات لإعداد جيل قادر على الابتكار وصناعة الفرص بدلاً من انتظارها.
وفي هذا الإطار، تبرز ريادة الأعمال بوصفها أحد الركائز الأساسية في تشكيل مستقبل الشباب، وتحويلهم من باحثين عن عمل إلى صُنّاع له.
لم تعد الجامعات اليوم مؤسسات أكاديمية تقليدية يقتصر دورها على التلقين النظري فحسب، بل أصبحت حاضنات للأفكار والمبادرات الريادية. فقد بادرت العديد من الجامعات العربية والعالمية، وكذلك المحلية، إلى تأسيس مراكز متخصصة في ريادة الأعمال والابتكار، إلى جانب حاضنات جامعية للمشاريع الناشئة، تُقدَّم من خلالها خدمات التدريب، والتوجيه، والدعم المالي والفني لتحويل أفكار الطلبة إلى مشاريع واقعية قابلة للنمو.
وعلاوة على ذلك، شهدت الخطط الدراسية في كثير من الجامعات تطويرًا نوعيًّا، حيث تم إدراج مقررات دراسية متخصصة في ريادة الأعمال والابتكار ضمن المناهج الأكاديمية، ليس فقط في كليات الأعمال أو الهندسة أو تكنولوجيا المعلومات، بل امتدت لتشمل كافة التخصصات، من كليات الفنون والتصميم والعلوم التربوية، وصولاً إلى كليات الطب والصيدلة وعلوم التأهيل. كما تنظم الجامعات بانتظام مسابقات متنوعة للأفكار الريادية وورش عمل بالتعاون مع خبراء من سوق العمل ومن مؤسسي الشركات الناشئة، مما يسهم في تنمية مهارات الطلبة وتعزيز ارتباطهم بالواقع العملي.
الدراسات والإحصاءات تظهر أن الطلبة الذين ينخرطون في برامج ريادة الأعمال خلال دراستهم الجامعية، يتمتعون بفرص أكبر للنجاح المهني، ويبدؤون مشاريعهم الخاصة بسرعة أكبر بعد التخرج، كما يحظون بفرص توظيف أوسع مقارنة بزملائهم الذين لم يشاركوا في مثل هذه الأنشطة.
بيد ان الجامعات – ورغم هذا التقدم الملحوظ – لا تزال تواجه تحديات كبيرة وخصوصا في مجال ترسيخ ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، فضلا عن تحديات اخرى تتعلق بضعف التمويل ومحدودية البينة التحتية، وانخفاض الوعي بأهمية الريادة لدى بعض الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وأحيانًا لدى بعض القيادات الإدارية العليا واصحاب القرارفي الجامعات.
وهذه التحديات يرافقها اشكالية قديمة جديدة تتمثل بضعف التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص، حيث لا تزال الفجوة قائمة بين “الأكاديميا” و” السوق ” ، كما هي بين النظرية والتطبيق ومن الضروري تطوير هذه العلاقة وتنظيمها بما يضمن استدامة المشاريع الطلابية الريادية، وتحقيق مواءمة حقيقية بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
وفي الختام، نرى بان دمج ريادة الأعمال في البيئة الجامعية لم يعد ترفًا أكاديميًا، بل اصبح ضرورة استراتيجية لمواكبة تحولات سوق العمل المحلي والعالمي. ومن خلال الدعم المؤسسي المستدام، تستطيع الجامعات أن تغرس بذور التغيير في عقول طلبتها، وتمكنهم من أن يكونوا روادًا منتجين مبتكرين، يسهمون في بناء مستقبل اقتصادي قائم على الابتكار، ويواكب احتياجات المجتمع وتطلعاته.
* رئيس قسم التعاون والعلاقات في مركز الابتكار والريادة في الجامعة الاردنية
التعليقات مغلقة.