الخبير في تخصص الأعمال الإلكترونية، الأستاذ الدكتور أحمد غندور يكتب لـ ” رقمنة” … “الأمية الرقمية (2)” : الأمية السيبرانية خطر لا يمكن تجاهله

86

رقمنة 

*الأستاذ الدكتور أحمد غندور 

نعيش في عالم مترابط، حيث كل نقرة وكل تمرير شاشة تحمل أثرًا مباشرًا. ورغم ذلك، لا يزال كثيرون يظنون أن الأمن السيبراني ليس من مسؤوليتهم. يعتبرونه شأنًا تقنيًا يخص قسم تكنولوجيا المعلومات أو الإدارة أو الحكومة. هذه النظرة لم تعد مقبولة. عدم فهم المخاطر السيبرانية الأساسية وكيفية التعامل معها أصبح شكلًا جديدًا من الأمية. الأمية السيبرانية هي الأمية الجديدة، وهي أخطر مما نتخيل.

الأمية السيبرانية تعني أنك لا تعرف كيف تُنشئ كلمة مرور قوية، أو كيف تميّز رسالة تصيّد إلكتروني، أو كيف تتصرف إذا تم اختراق حسابك أو جهازك. تعني أنك قد تكون أنت نقطة الضعف التي تسمح للمهاجمين بالدخول إلى نظام مؤسستك، بسبب تصرف بسيط كفتح رابط مشبوه أو تجاهل تحديث أمني.

هذه ليست مشكلة تقنية، بل سلوك بشري. الأمن السيبراني يبدأ من الفرد، وليس من الجهاز. الجدار الناري لا يحميك من جهلك.

كل شخص، مهما كان دوره، يجب أن يمتلك وعيًا سيبرانيًا أساسيًا. وكل مدرسة، جامعة، ومؤسسة يجب أن تتعامل مع الأمن السيبراني على أنه معرفة أساسية. كما نجري تدريبات إخلاء عند نشوب الحرائق، يجب أن نجري تدريبات على التعامل مع الهجمات السيبرانية. تمارين تصيّد إلكتروني وهمية. محاكاة اختراق. خطط استجابة. أدوار واضحة لكل فرد في حالة وقوع حادث أمني. هذه التمارين يجب أن تُنفذ دوريًا وعلى جميع المستويات: الإدارة، الموظفين، المعلمين، والطلاب.

نشر الوعي لا يعني إرسال بريد إلكتروني عام أو تعليق منشور. الوعي يحتاج إلى برامج تدريبية تفاعلية، أمثلة واقعية، وسيناريوهات توضح كيف يحدث الاختراق ولماذا. يحتاج إلى دمج مفاهيم الأمن السيبراني في الجلسات الإدارية، الاجتماعات الدورية، والمناهج التعليمية.

بناء السلوكيات يتطلب الالتزام والقدوة. يجب أن يلتزم المدراء أولًا بقواعد الأمن الرقمي، أن لا يشاركوا كلمات المرور، أن يُحدثوا أجهزتهم، أن يبلغوا عن أي محاولة مشبوهة. هذه الممارسات تنتقل تلقائيًا إلى باقي الفريق. السلوك هو خط الدفاع الأول.

تنفيذ التدريبات يجب أن يكون منظمًا، متدرجًا، ومناسبًا للمستوى الفني لكل فئة. لا فائدة من تدريب معلم ابتدائي على تقنيات متقدمة لا يستخدمها. بالمقابل، تجاهل تدريب الإداريين أو المدراء بحجة أنهم مشغولون هو مخاطرة كبيرة. كل شخص مستهدف. وكل شخص مسؤول.

البدء لا يحتاج قرارًا كبيرًا أو ميزانية ضخمة. ابدأ بإنشاء سياسة أمن معلومات واضحة. عين مسؤول توعية سيبرانية. نفذ تدريبًا بسيطًا هذا الشهر. راقب مدى الاستجابة. ثم وسّع تدريجًا. الخطورة ليست في البدء البطيء، بل في عدم البدء أبدًا.

من لا يعرف القراءة والكتابة يُستبعد من المجتمع. ومن لا يعرف كيف يحمي نفسه رقميًا، يُصبح عرضة للخطر، ويجعل من حوله عرضة أيضًا.

الأمية السيبرانية وباء صامت. لا بد من كسر هذا الصمت، ولن يتم ذلك الا من خلال وصفة تشمل : نشر الوعي، بناء السلوكيات، تنفيذ التدريبات، والبدء من الان. 

*الخبير في تخصص الاعمال الإلكترونية

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد