مقالات

الخبير في مجال الأعمال الالكترونية أحمد غندور يكتب لـ ” رقمنة ”: منظمات الوكالة…. ملامح الشركات الرقمية المستقبلية

رقمنة 

*الاستاذ الدكتور أحمد غندور

تتغير ملامح العمل المؤسسي في العالم بسرعة غير مسبوقة. فبعد أن عرفنا الشركات الصناعية التي بنت القيمة على خطوط الإنتاج، ثم الشركات الرقمية التي اعتمدت على البرمجيات والمنصات، بدأنا اليوم نرى نمطاً جديداً يتشكل بصمت لكنه سيقود المشهد خلال السنوات القادمة. إنها منظمات الوكالة (Agentic Organizations)، أو ما يمكن تسميتها بـ الشركات الرقمية المستقبلية.

وهذه المنظمات لا تعتمد على التقنيات لتسريع العمل فحسب، بل تعيد بناء العمل ذاته من الأساس. فهي توظف “الوكلاء الأذكياء” – نظم ذكاء اصطناعي مستقلة وقادرة على اتخاذ القرار – لتصبح جزءاً من فرق العمل، جنباً إلى جنب مع الإنسان. والنتيجة منظومة هجينة، يعمل فيها الإنسان على التوجيه والتصميم واتخاذ القرار القيمي، بينما يتولى الوكلاء تنفيذ المهام وتحليل البيانات وتسيير العمليات بكفاءة تتجاوز القدرات البشرية.

كيف تختلف عن الشركات الحالية؟
الشركات الحالية – حتى الرقمية منها – ما زالت تفكر بالهيكل الهرمي التقليدي: إدارات، تسلسل إداري، وظائف محددة، مهام يومية. وفي الغالب يجري استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل جزئي: أداة لتحليل البيانات، أو تطبيق لتحسين الإنتاجية، أو مساعد افتراضي محدود.
أما منظمات الوكالة فتنطلق من منطق مختلف تماماً:
الذكاء الاصطناعي ليس أداة بل عضو عامل في المنظومة.
الهيكل التنظيمي لا يقوم على الأقسام، بل على النتائج.
القرارات لا تنتظر التقارير، بل تتولد لحظياً من التفاعل بين الإنسان والوكلاء.
العمليات لا تسير بخط مستقيم، بل تتكيف باستمرار مع البيانات والسياق.
في الشركة التقليدية، المدير يوجّه الموظف.
في الشركة الوكيلة، المدير يصمم “نظام العمل”، والوكلاء ينفذون، والإنسان يراقب ويتدخل عند الحاجة.

اقتصاد جديد وتكلفة جديدة
واحدة من أهم التحولات التي تحدثها منظمات الوكالة هي ما يسميه الخبراء بـ “ضغط منحنى التكلفة”. فمع دخول الوكلاء القادرين على أداء المهام الذهنية، تتراجع تكلفة التشغيل لتقترب من تكلفة الحوسبة. أي أن الكفاءة لم تعد هدفاً، بل افتراضاً أساسياً. وهنا يظهر التحدي الأكبر: من لا يعيد بناء نموذج عمله حول هذا المنطق الجديد، سيخرج من المنافسة حتى لو امتلك أحدث الأدوات.

الثقافة والمعرفة أساس التحول
التحول إلى منظمة وكالة لا يتحقق بشراء أدوات أو برمجيات. بل يبدأ من الإنسان.
لا بد من بناء ثقافة جديدة تتبنى العمل المشترك بين الإنسان والآلة، وتعيد تعريف الأدوار والمهارات، وتعزز الثقة والشفافية.
ويأتي هنا دور محو الأمية الإنتاجية الذي نطرحه ضمن إطار الرخصة الدولية للقيادة الرقمية (IDDL)، حيث لا يكفي أن يعرف العامل كيف يستخدم الأدوات، بل يجب أن يمتلك كفاءة رقمية، وأمن رقمي، وكفاءة في الذكاء الاصطناعي ليكون جزءاً فاعلاً في بيئة تعتمد على الوكلاء الأذكياء.

إلى أين نتجه؟
الشركات التي تستعد اليوم لتصبح منظمات وكالة ستكون قادرة على:
تسريع قراراتها دون التضحية بالحوكمة.
إنتاج قيمة اقتصادية جديدة دون زيادة في التكاليف.
تطوير نماذج عمل مرنة تتفاعل مع التغيرات في لحظتها.
أما التي تبقى أسيرة النماذج القديمة، فستخسر تدريجياً قدرتها على المنافسة، لأن السوق القادم سيقوده من يستطيع أن يبني “منظومة تعمل بذاتها”، لا من يدير فرقاً تقليدية بالأدوات الرقمية القديمة.
منظمات الوكالة ليست حلماً نظرياً. هي واقع يتشكل اليوم في كبريات المؤسسات العالمية. والفرصة متاحة أمام من يقرأ التحول مبكراً، ويعيد بناء مؤسسته حول منطق جديد:
الذكاء الاصطناعي ليس خدمة نشتريها، بل شريك نعمل معه.

*الخبير في تخصص الاعمال الالكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى