
رقمنة
*محمد العموش
في عالم يفيض بالمحتوى المرئي، يعود الصوت ليأخذ مكانه الطبيعي كأقرب وسيلة للتواصل بين الإنسان والمعرفة. البودكاست لم يعد مجرّد وسيلة للترفيه أو الهروب من الضجيج، بل أصبح أداة استراتيجية تُستخدم في التسويق، التعليم، الصحافة، وبناء المجتمعات الرقمية.
بحسب الدراسات، من المتوقع أن تتجاوز قيمة سوق البودكاست عالميًا حاجز الـ23 مليار دولار بحلول عام 2028. وهذا لا يعكس فقط النمو المتسارع، بل يكشف عن تحوّل في سلوك الجمهور؛ المستمع اليوم يبحث عن محتوى عميق، شخصي، ويتماشى مع نمط حياته المتنقل والسريع.
صناعة البودكاست: ما بين الإبداع والتقنية
وراء كل حلقة بودكاست ناجحة، هناك صناعة متكاملة تجمع بين الفن والتكنولوجيا. إنتاج البودكاست لا يقتصر على تسجيل الصوت فقط، بل يشمل كتابة المحتوى، اختيار الضيوف، المونتاج، التصميم الصوتي، والتوزيع الرقمي على المنصات. ما يميز هذه الصناعة هو قدرتها على التكيّف مع مختلف القطاعات، من الإعلام والصحافة، إلى التعليم والتسويق وحتى الصحة النفسية.
من جهة أخرى، باتت أدوات إنتاج البودكاست أكثر سهولة وذكاءً بفضل التطورات التقنية، خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي لتسهيل المونتاج وتوليد النصوص وتحليل تفاعل الجمهور. هذا التقدم جعل المجال أكثر شمولية، وفتح الباب أمام الشباب والنساء والمجتمعات المهمشة لإنتاج أصواتهم الخاصة بدون الحاجة لرأس مال ضخم.
إنها صناعة واعدة، لا تقتصر على التعبير، بل تمتد نحو بناء اقتصاد رقمي جديد، يشكّل فيه الصوت عملة تأثير لا تقل قيمة عن الصورة أو الكلمة المكتوبة.
نموذج عربي ناجح: *صدى بودكاست*
في منطقتنا العربية، يتشكل المشهد بوتيرة متسارعة، وتبرز منصات وشركات إنتاج محلية أثبتت أن السوق مستعد للنوعية لا الكمية. نموذج على ذلك شركة *صدى بودكاست* ، التي انطلقت من عمّان عام ٢٠٢٠ لتصبح واحدة من أبرز الأسماء على خريطة البودكاست العربية. برامج مثل “جريمة تحت المجهر” و ” بدون برواز” تجاوزت مجرد الترفيه، وخلقت ارتباطًا وجدانيًا مع جمهور متعطش لسرد عربي حقيقي، احترافي، وذو بُعد اجتماعي.
صدى لا تنتج محتوى فقط، بل تصنع تجارب صوتية تُحاكي الواقع، وتقدّم حلولًا ذكية للمؤسسات الباحثة عن التميز في تواصلها الرقمي.
في عصر الذكاء الاصطناعي والتشبع الرقمي، يظل الصوت هو الأداة الأكثر صدقًا.
فهل ستكون جزءًا من هذا التحوّل؟ أم ستكتفي بالمشاهدة؟
*الرئيس التنفيذي لشركة ” صدى بودكاست”




