موجز البودكاست

” موجز بودكاست” : إلى أين نذهب في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي؟

رقمنة

*خالد الأحمد

هذا الأسبوع كنت أستمع إلى حلقة من بودكاست “The Diary Of A CEO” بعنوان:
Ex-Google Insider WARNS: “You Are Not Prepared For 2027”

الضيف هو تريستان هارِس، مصمّم سابق في Google وأحد أهم الأصوات في أخلاقيات التكنولوجيا.
رجل قضى سنوات داخل غرف صناعة القرار في وادي السيليكون، ثم كرّس أكثر من عقد لدراسة تأثير التكنولوجيا على المجتمعات.

تحذيره كان مباشرًا:
الذكاء الاصطناعي على وشك تغيير الوظائف، والاقتصاد، والسياسة، والدور الإنساني نفسه… بسرعة تفوق قدرة الحكومات على التعامل معها.

الكلام لامسني لأننا نعيش جزءًا من هذا التحول يوميًا، سواء كأفراد أو كمنطقة عربية تتغير فيها قواعد السوق بشكل غير مسبوق.

ومن هنا عاد السؤال الذي أكرره كثيرًا:
إلى أين نذهب نحن… في عالم تعيد فيه التكنولوجيا تشكيل كل شيء؟

سيناريوهان… وفرة كبرى أم فراغ اقتصادي؟

هناك من يعتقد أن المستقبل سيكون عالم وفرة:
طعام أرخص، إنتاج أسرع، خدمات بكلفة شبه صفرية، وروبوتات تعمل بلا توقف.

لكن الوجه الآخر، الذي يكاد يطرق الباب الآن، هو:

اختفاء ملايين الوظائف.
تكدّس الثروة عند شركات قليلة.
وانهيار نماذج اقتصادية كاملة.

مثال واضح: الفلبين

اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على خدمة العملاء.
اليوم يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بهذه المهام بشكل أسرع وأرخص.

السؤال البديهي:
هل ستعوّض شركات التكنولوجيا خسائر دول كاملة؟
الأرجح: لا.

المهن الراقية ليست بمنأى

مكاتب محاماة في العالم لم تعد توظف محامين جدد.
الذكاء الاصطناعي يقدّم عملهم بدقة أعلى وتكلفة أقل.
والنتيجة:

  • خريجون مديونون بلا فرص عمل
    • فجوة في نقل الخبرة
    • مهن كاملة تفقد أساساتها

هكذا يضعف النسيج الاجتماعي… دون ضجيج.

طبقة بلا صوت… وتحول سياسي خطير

إذا أصبحت مداخيل الدول معتمدة على شركات الذكاء الاصطناعي بدل عمل المواطنين،
فإن وزن المواطن السياسي سينخفض.

تظهر هنا فكرة “الطبقة عديمة الجدوى”، حيث يصبح الإنسان أقل تأثيرًا على القرار السياسي لأن الدولة لم تعد تعتمد على إنتاجه.

وكلما زاد الضغط الاقتصادي على الشباب، زاد التوجه نحو سياسات اقتصادية أكثر راديكالية… وهذا بدأنا نراه عالميًا.

هل الدخل الأساسي الشامل هو الحل؟

تنتشر فكرة منح كل شخص دخلًا ثابتًا (UBI).
لكن المشكلات أكبر من الفكرة نفسها:

  • من يمول هذا الدخل في 190 دولة؟
    • لماذا تعيد الشركات توزيع أرباحها؟
    • وهل يُمكن أن يصبح هذا حلًا عالميًا مكتملًا؟

حتى لو انخفضت تكلفة الإنتاج 10 مرات، تبقى الدوافع غائبة.

NAFTA 2.0… ولكن بدون دول

كما نقلت NAFTA المصانع إلى الخارج وجلبت سلعًا رخيصة لكنها دمّرت الطبقة الوسطى،
يفعل الذكاء الاصطناعي الشيء نفسه… ولكن بوتيرة أسرع وبأثر أعمق.

اليوم “البلد” الذي ينافس العمالة البشرية ليس دولة… بل:

مركز بيانات يعمل فيه ملايين “العمال الرقميين” بسرعة خارقة وبشبه تكلفة.

النتيجة؟
وفرة في السلع… مقابل هشاشة في المجتمعات.

غياب الحديث السياسي… ولماذا هو أخطر مما نعتقد

رغم أن الذكاء الاصطناعي يؤثر في:

  • التعليم
    • الصحة
    • الوظائف
    • الأمن
    • الإعلام
    • الاقتصاد

إلا أنه بالكاد يُذكر في الحملات السياسية.
لأن الحقيقة غير شعبية… ولا يفوز السياسي بمن يخبر الناس أن مستقبل الوظائف مهدد.

لكن قريبًا، ومع أول موجة فقدان وظائف واسعة،
ستصبح هذه القضية في صدارة النقاش العالمي.

 

هل يمكن تغيير الاتجاه؟ نعم… لكن النافذة تضيق

لكي نتجنب المسار الأسوأ، نحتاج إلى:

  1. جعل الذكاء الاصطناعي قضية وعي مجتمعي.
  2. الضغط لوجود تشريعات واضحة للسلامة والمسؤولية.
  3. بناء تكنولوجيا تُصمَّم حول الإنسان لا حول الأرباح.
  4. إعادة التفكير في الاقتصاد وتأثيراته على الطبقة الوسطى.

خلاصة شخصية

أنا من جيل عاش أجمل مراحل التقنية.
تعلمنا على الكمبيوتر الأول، ودخلنا الإنترنت بفضول، ولم نشعر أن التكنولوجيا تهدد قيمة “الإنسان”.

اليوم… الصورة أعقد.
ولن يقودنا إلى المستقبل أشخاص لا يفهمون التقنية، ولا يعون حجم التحول.

المطلوب أن نفهم، أن نسأل، وأن نتحرك.
لأن السنوات القادمة ستعيد تعريف:

وظائفنا، تعليمنا، اقتصادنا، وحتى معنى الغاية من العمل.

السؤال الآن:

هل نترك غيرنا يرسم ملامح المستقبل؟
أم نشارك في كتابته… قبل أن تُغلق الصفحة؟

*الشريك المؤسس في موقع ” رقمنة”

خبير استراتيجيات العلامة الشخصية والهوية الرقمية

زر الذهاب إلى الأعلى