مقالات

المستشارة والمنتجة للكتب العربية الصوتية آلاء سليمان تكتب لـ ” رقمنة” ……في زمن الذكاء الاصطناعي : دعوة لوضع ميثاق أخلاقي لصناعة الصوت

رقمنة 

*آلاء سليمان 

منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، راودني حلم تأسيس مجتمع مهني يحتضن المعلقين الصوتيين والعاملين في المجال الصوتي، مجتمع ينظّم المهنة، ويحمي الحقوق، ويوفر مساحة للتعاون والتطوير، خاصةً وأن هذا القطاع – رغم إبداعه – يفتقر إلى جهة مرجعية تجمع شتاته أو تدافع عن أفراده أمام التحديات المستجدة.

نعم، كانت لي بعض المحاولات الخجولة لتأسيس نادٍ للمؤديين الصوتيين، لكن التجربة لم تنضج ولم تنجح في تمثيلهم تمثيلًا حقيقيًا وفعّالًا… واليوم، أكثر من أي وقت مضى، نشهد حاجة ملحّة إلى كيان موحّد يصوغ ميثاقًا أخلاقيًا ومهنيًا يواكب ما يشهده العالم من تحوّل جذري بفعل الذكاء الاصطناعي.

 

الذكاء الاصطناعي يهدد الأصوات… وأصحابها!

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية صاعدة، بل أصبح فاعلًا رئيسيًا في صناعة الصوت، قادرًا على تقليد الأصوات البشرية بدقة مذهلة.

بحسب تقرير شركة MarketsandMarkets، فإن سوق تحويل النص إلى صوت (TTS) بتقنيات الذكاء الاصطناعي تجاوز 4.8 مليار دولار عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 7.6 مليار دولار بحلول عام 2028. هذا لا يعكس فقط نمو السوق، بل يسلّط الضوء على مدى استغلال الأصوات البشرية، في كثير من الأحيان، دون حماية كافية أو موافقة صريحة من أصحابها.

والمؤلم أن كثيرًا من هذه الأصوات تُستخدم – من دون علم أصحابها – في سياقات تتنافى مع قِيَمهم، وقد تُسخّر في أدوات الحرب النفسية، التضليل الإعلامي، أو حتى الأنظمة الأمنية والتجسسية.

ولفهم حجم الفجوة، دعونا نُلقي نظرة على ما يحدث عالميًا، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الصوت الشهير لشخصية “دارث فيدر” في سلسلة Star Wars جيمس إيرل جونز، الذي وافق على منح حقوق صوته لشركة Lucasfilm لاستخدامه في الذكاء الاصطناعي، عبر عقد يحفظ له التحكم الكامل في الاستخدام، ويشترط موافقته على كل سيناريو يتم فيه استنساخ صوته، وفق ما أوردته Vanity Fair عام 2022، أما في قطاع الإعلانات، فتشير تقارير Vox وThe Verge إلى أن بعض المعلقين الصوتيين في أمريكا يُبرمون عقودًا تصل قيمتها إلى 100,000 دولار مقابل التفويض الحصري لاستخدام أصواتهم في تدريب أنظمة صوتية، مع نسبة ثابتة من الإيرادات في حال استخدام صوتهم تجاريًا بعد المعالجة الآلية.

أما في الجانب الآخر، وتحديدًا في العالم العربي، فإن المشهد لا يزال يعاني من فراغ تنظيمي واضح في هذا المجال.
 فلا توجد حتى الآن عقود مهنية واضحة أو آليات حماية قانونية تحفظ حقوق المعلقين الصوتيين عند استخدام أصواتهم في تقنيات الذكاء الاصطناعي. والأسوأ من ذلك، أن العديد من المعلقين يسجّلون أصواتهم دون معرفة دقيقة بالجهات التي ستستخدم هذه التسجيلات، ودون إدراك بأن أصواتهم قد يُعاد توظيفها لاحقًا في سياقات يجهلونها تمامًا، وربما تتعارض مع مبادئهم أو تُستغل دون إذنهم.

هذا يحدث في ظل غياب شبه تام لمنصات مهنية أو كيانات نقابية تصدر مواثيق ملزمة، أو توفّر الدعم القانوني والاستشارات المتخصصة في هذا النوع من التعاقدات المعقدة.
 إنه فراغ ينبغي أن يُملأ، وواقع يحتاج إلى تصحيح عاجل، قبل أن تتكرّس الهيمنة التقنية على حساب الحقوق الفردية والمهنية.

إنها مخاطرة مزدوجة، التفريط في الحقوق، والمساهمة غير المباشرة فيما يناقض الضمير والرسالة.

 

الصوت ليس موجة عابرة… بل هوية وأمانة

صوتك ليس مجرد ذبذبة تمر عبر الميكروفون.

إنه أثر… وهوية… ورسالة.

لذا من غير المقبول – أخلاقيًا ومهنيًا – أن يُستخدم خارج إرادتك أو في سياقات لا تؤمن بها. بل الأسوأ: أن يُعاد توظيفه لخدمة جهاتٍ لا تؤمن بعدالة قضايانا، أو تُستخدم ضد أهلنا ومجتمعاتنا في حملات تضليل وتخويف، وأحيانًا في أنظمة فتك تكنولوجية لا نعرف عنها شيئًا.

 

دعوة لصياغة ميثاق يحمي المهنة… ويصون الكرامة

آن الأوان أن نتوقف عن تسجيل صوتنا دون أن نعرف أين سيُستخدم، وكيف سيوظَّف، ولمن سيباع.

 

فلنرسم معًا خطًا واضحًا:

  • لا تسجيل دون وضوح كامل أين يُستخدم الصوت.
  • لا تفويض لاستخدام الذكاء الاصطناعي دون شروط ملزمة.
  • لا عقد دون نصّ قانوني بحماية الصوت من إعادة البيع أو التوظيف العدائي.
  • لا استخدام لاحق للصوت المولَّد إلا بموافقة صاحبه وضمن شراكة مالية – ولو رمزية – معه
  • لا سكوت بعد اليوم.

هذه ليست مطالب مثالية، بل أبسط حقوق العاملين في مهنة باتت على مشارف التقلص وربما الزوال إن لم نحتمِ بالوعي، ونبادر بتوحيد الصوت والموقف.

 

من يصوغ المسار؟ نحن، أم الشركات؟

بدلاً من أن تُفرض علينا الشروط، لنكن نحن من يصوغ المسار، ولنعمل معًا على صياغة ميثاق مهني وأخلاقي شامل:

  • يُنشر ويوزَّع على كل المنصات.
  • يُناقش في الندوات والملتقيات.
  • يُعرض على الجهات المعنية، كوزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، لتكون راعية له ضمن جهودها في تنظيم اقتصاد المحتوى الرقمي.
  • يُعتمَد كوثيقة مرجعية أمام شركات الذكاء الاصطناعي والمنتجين العالميين.

إن لم نحفظ أصواتنا اليوم، قد لا يكون لنا صوتٌ يُسمع غدًا.

فلنتحد – لا لنقاوم التقنية – بل لنُرشد استخدامها، ونحمي أنفسنا، ونصنع بيئة عادلة تحفظ الكرامة والحقوق.

*مستشارة ومنتجة للكتب العربية الصوتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى