المؤسس لصندوق ” فكر فنتشرز” محمد الخواجا يكتب لـ ” رقمنة” …. فقدان التركيز هو العدو الحقيقي للتعلّم؟

28

رقمنة

*محمد الخواجا  

“أشعر وكأنني أزداد غباءً كل يوم”……. عبارة صادمة من طالبة جامعية نقلتها مجلة ” TIME” في تقرير حديث، وهي ليست حالة فردية. بل تعبير دقيق عن حالة قلق متزايدة لدى جيل كامل نشأ في ظل الأدوات الرقمية وذكاء اصطناعي قادر على إتمام المهام بدلًا عنهم. المفارقة أن الطالبة لم تقل ذلك لأنها فشلت أكاديميًا—بل العكس تمامًا، درجاتها في ارتفاع. لكنّها تشعر أن مهاراتها الذهنية تتآكل، وأن عقلها يتكاسل كلما اعتمدت على أدوات مثل ChatGPT لإنجاز مهام التفكير عنها.

الملفت في هذا كله أن الذكاء الاصطناعي ليس المشكلة الحقيقية، بل كاشف لما هو أعمق. نحن نعيش في اقتصاد الانتباه، حيث كل شيء مصمّم ليخطف لحظات التركيز القليلة المتبقية لدينا

منصات رقمية مثل TikTok، Instagram، YouTube ، كلها منصات لا تمنحك وقتًا للتفكير، بل تدرّب عقلك على ردود أفعال سريعة ومجزأة، تجعل التفكير التحليلي يبدو مرهقًا، بل مملًا.

في هذه البيئة، يصبح الذكاء الاصطناعي مجرد أداة أخرى للاستجابة لهذا الضغط. بدلاً من أن يكون أداة لاستكشاف الأفكار والتوسع فيها، يتحول إلى وسيلة لتجنّب التفكير العميق، وتوفير الوقت بأي ثمن. وهنا يكمن الخطر الحقيقي: ليس في استخدام التقنية، بل في طريقة استخدامها.

لكن، لنتوقف لحظة وننظر للصورة كاملة……

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد وسيلة للغش أو التحايل. في الواقع، عندما يُستخدم بوعي، يصبح محفزًا للفضول. رأيت طلابًا يستخدمونه لطرح أسئلة جريئة، للتفاعل مع مفاهيم صعبة، لتوليد أفكار لمشاريعهم العلمية أو الفنية. بعضهم استعان به لكتابة سيناريو لفيلم قصير عن التغير المناخي، أو لتعلم أساسيات علم النفس من مصادر متنوعة في وقت قياسي. الذكاء الاصطناعي هنا لم يقلل من قيمة التعلم، بل فتح له أفقًا جديدًا.

المشكلة الحقيقية إذًا ليست في التقنية، بل في الفراغ التربوي من حولها. الأنظمة التعليمية التقليدية غالبًا لا تقدم بدائل كافية تواكب هذا التحول. ولا تمنح الطلاب المساحة أو الأدوات التي تساعدهم على التفاعل مع هذه الأدوات بشكل نقدي وأخلاقي. وللأسف، نتركهم بمفردهم في مواجهة أدوات أقوى من قدرتهم على التنظيم الذاتي.

فماذا يمكننا أن نفعل؟

أولًا، لا بد من إعادة تعريف مفهوم “الإنجاز” الأكاديمي. لم تعد الدرجات كافية كمؤشر على التعلم الحقيقي. يجب أن نقيّم مهارات مثل التفكير النقدي، الفضول، القدرة على التحليل والمقارنة، وامتلاك رأي مستند إلى دليل.

ثانيًا، على المدارس والجامعات أن تدمج الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج لا كتهديد بل كأداة. علينا أن نعلّم الطلاب كيف يستخدمونه ليتعلموا أفضل، لا ليتهربوا من التعلم.

ثالثًا، على الشركات التقنية أن تتحمل مسؤوليتها في هندسة تجارب رقمية لا تقوم فقط على الإدمان البصري والانفعالي. نحن بحاجة إلى بيئة رقمية تعزز التركيز بدلًا من أن تستنزفه.

وأخيرًا، يجب أن نقف مع الجيل الجديد لا في وجهه. إنهم لا يهربون من التعليم لأنهم ضعفاء، بل لأن النظام لم يحدّث نفسه ليتحدث بلغتهم.

سؤالي المفتوح لكل معني بالتعليم اليوم: هل نُعدّ جيلًا من صانعي الأسئلة، أم من مستهلكي الأجوبة الجاهزة؟

*المؤسس لصندوق ” فكر فينتشرز” 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد