التواصل الاجتماعي

وثائق تفضح استراتيجية “إنستغرام” لاستقطاب المراهقين

رقمنة

كشفت وثائق داخلية اطّلعت عليها صحيفة واشنطن بوست أنّ منصة إنستغرام واصلت تنفيذ خطة طويلة الأمد لاستعادة المراهقين بوصفهم شريحة محورية في مستقبلها، رغم تصاعد التحذيرات والانتقادات التي شكّكت في مدى أمان المنصة لهم، ورغم تزايد الدعاوى القضائية التي تتهم الشركة بتعريض سلامة القُصّر للخطر وتعزيز أنماط استخدام إدمانية.

هدف واحد: جذب المزيد من المراهقين

بعد أسبوعين من رفع عشرات المدّعين العامّين في الولايات دعاوى قضائية ضد شركة ميتا، متهمين إيّاها بالتسبّب في إدمان المراهقين على منصّاتها وتعريض سلامتهم للخطر، نشر رئيس “إنستغرام” آدم موسيري مذكرة داخلية حثّ فيها الموظفين على التركيز على هدف شامل واحد: جذب المزيد من المراهقين إلى “إنستغرام”.
وكتب موسيري في المذكرة المؤرخة في 6 تشرين الثاني 2023: “أثناء إعداد خططكم لعام 2024، أطلب من فرق الأعمال أن تبقى مركّزة بدقة على المراهقين أولاً، وخاصة في الأسواق المتقدمة، وثريدز ثانياً، وبهذا الترتيب”.

وتُعدّ مذكرة موسيري جزءاً من خطة متعددة السنوات وضعتها “ميتا”، المالكة لـ”إنستغرام”، لاستقطاب مزيد من المراهقين إلى تطبيق مشاركة الصور وزيادة نشاطهم عليه، بحسب وثائق داخلية كُتبت بين عامي 2023 و2025 واطلعت عليها صحيفة واشنطن بوست. وتُظهر هذه الوثائق أن موظفي “إنستغرام” اعتبروا تعزيز مؤشرات استخدام المراهقين الهدف الأهم خلال العام الماضي، متقدّماً حتى على الجهود المبذولة لتطوير “ثريدز”، المنافس النصّي الصاعد لمنصة إكس.

علناً، أظهر مسؤولو “ميتا” ثقة في نجاح تطبيقاتهم، عارضين أرقاماً سنوية تُظهر نمواً إجمالياً في عدد المستخدمين. لكن خلف الكواليس، تكشف الوثائق أن “إنستغرام” خاض حملة هجومية لاستعادة المراهقين الذين خسرهم لصالح المنافسين، عبر مزيج من المبادرات الداخلية، والحملات التسويقية، وتعديلات المنتج المصمّمة لزيادة جاذبية التطبيق لدى المستخدمين الأصغر سناً.

وبحلول أواخر عام 2023، حدّدت “ميتا” أهدافاً طموحة لـ”إنستغرام” تتركز في وقف التراجع المستمر منذ سنوات في أعداد المستخدمين المراهقين في الأسواق المتقدمة، بما في ذلك مناطق رئيسية في أميركا الشمالية وأوروبا، بحلول نهاية عام 2024، وتحويل التطبيق إلى أكبر منصة عالمية للمراهقين بحلول عام 2027.

ولتعزيز نمو قاعدة المستخدمين المراهقين، اعتمد “إنستغرام” مجموعة من التكتيكات داخل الشركة وخارجها. فقد أنشأت “ميتا” ما سمّته “متحفاً حيّاً” داخل مكاتبها لمساعدة الموظفين على استيعاب أنماط حياة المراهقين المستهدفين. كما وجّهت الشركة موظفيها لتعزيز حضور المؤثرين المحبوبين لدى المراهقين، وتعديل خوارزمية “إنستغرام” لتسهيل عثور المستخدمين الجدد من المراهقين على أشخاص يعرفونهم، والاستثمار في التسويق المدفوع الذي يبرز دور التطبيق في مساعدة المراهقين على التواصل مع أصدقائهم.

بين قاعات المحاكم وغرف الاجتماعات

في الوقت الذي كانت فيه الشركة تنفّذ حملتها لاستقطاب المستخدمين الأصغر سناً، كانت تدافع عن نفسها في مواجهة عدد متزايد من الدعاوى القضائية التي تتهم تطبيقاتها، ولا سيما “إنستغرام”، بإلحاق الضرر بالمراهقين. خضعت “ميتا” للتدقيق منذ عام 2021 على الأقل، حين كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن أبحاث داخلية أظهرت أن “إنستغرام” فاقم مشكلات تتعلق بصورة الجسد لدى بعض الفتيات المراهقات. وعام 2023، رفعت 41 ولاية، إلى جانب واشنطن العاصمة، دعاوى اتهمت فيها “ميتا” باستغلال المستخدمين القُصّر لتحقيق الربح، بما في ذلك إدخال تغييرات تُبقيهم على المنصة على حساب سلامتهم النفسية، في انتهاك لقوانين حماية المستهلك.

وردّ قادة “ميتا” بإطلاق حزمة من إجراءات الحماية لمعالجة الانتقادات، شملت قيوداً جديدة على المحتوى للمستخدمين الأصغر سناً وتعزيز أدوات الرقابة الأبوية. كما شجّعوا المراهقين على استخدام أداة تنبّههم إلى أخذ استراحة إذا أمضوا وقتاً طويلاً في التمرير، وبدأوا بحظر الغرباء من مراسلة المراهقين على “إنستغرام” و”فيسبوك”. غير أن هذه التغييرات لم تُقنع بعض المنتقدين بشأن الأضرار المحتملة للمنصات.

حسابات المراهقين

لم تنفِ “ميتا” تفاصيل حملتها لاستهداف المستخدمين الشباب، لكنها رفضت أي إيحاء بأن هذه المبادرات “تتعارض مع جهودنا الموثّقة في مجال السلامة”، وفق بيان للناطق باسم الشركة رايان دانييلز.
وأضاف أن الشركة أطلقت ميزات مثل “حسابات المراهقين” وطوّرتها لتستلهم تصنيفات الأفلام لمن هم فوق 13 عاماً، رغم أن ذلك أدّى إلى انخفاضالوقت الذي يقضيه المراهقون في استخدام المنصة؟

وروّجت “ميتا” لأدوات السلامة، بما في ذلك إطلاق “حسابات المراهقين” عام 2024، وهي مجموعة إعدادات تفرض قيوداً أشد على تفاعلات المستخدمين القُصّر والمحتوى الذي يشاهدونه على “إنستغرام”، مع منح الآباء قدرة أكبر على الاطلاع والتحكّم في النشاط الرقمي لأبنائهم. كما اشترت الشركة إعلانات واستعانت بمؤثرين رقميين ومشاهير، من بينهم جيسيكا ألبا، للترويج لهذه الأدوات أمام جماهيرهم.

وتكشف الوثائق الداخلية عن شركة مصمّمة على إعادة هندسة “إنستغرام” لوقف تراجع جاذبيته لدى المراهقين، بما في ذلك زيادة نشاطهم في الرسائل، وبناء مسار مبكر يضمن استخداماً طويل الأمد لمنصّات ميتا.

وكان لدى “إنستغرام” سبب قوي للضغط من أجل استعادة المراهقين أثناء إطلاق ميزات السلامة الجديدة. فبعد ارتفاع استخدامهم خلال فترات الإغلاق في جائحة فيروس كورونا، تراجعت تسجيلات المراهقين الجدد في التطبيق بنسبة تراوح بين 20 و30% بحلول عام 2023، وفق تقرير بحثي داخلي في ذلك العام. 

خمسة أهداف رئيسية

بحلول أواخر عام 2023، بات واضحاً داخل “إنستغرام” أن هناك مشكلة في فئة المراهقين. فقد انخفض عدد المستخدمين المراهقين النشطين يومياً في الأسواق المتقدمة بنسبة 3.9%، بينما تراجع عدد المستخدمين المراهقين النشطين شهرياً بنسبة 8.4% خلال عام واحد فقط، بحسب وثيقة استراتيجية مؤرخة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وأشارت الوثيقة إلى أن “الكثير يجب أن يسير على ما يرام للوصول إلى هدفنا الطموح”، في إشارة إلى هدف وقف هذا التراجع بحلول نهاية عام 2024.

ولعكس الخسائر، حدّد قادة “إنستغرام” خمسة أهداف رئيسية للنصف الأول من عام 2024، شملت أسس النمو، والتوصيات، و”ثريدز”، ومشاركة الأصدقاء، وصنّاع المحتوى. وبيّنت الوثائق أن نجاح جميع هذه الأهداف، باستثناء ثريدز“، كان سيُقاس بتأثيرها المباشر على استخدام المراهقين للتطبيق.

وشدّد كبار مسؤولي “إنستغرام”، في مذكرة داخلية تعود إلى سبتمبر/أيلول 2023، على أنهم “يتوقعون من جميع فرق إنستغرام تبنّي أهداف مرتبطة بمؤشرات المراهقين، أو اتخاذ خطوات أكبر لجعل المراهقين يتحدثون عن إنستغرام”.

وبحلول ذلك الوقت، حقّق التطبيق بعض النجاح في جذب المراهقين عبر ميزة Notes، وهي رسائل نصية قصيرة تظهر أعلى صور الملفات الشخصية وتختفي بعد 24 ساعة. غير أن المسؤولين قدّروا أن الشركة ستحتاج إلى نجاحين أو ثلاثة إضافية على مستوى المنتج لعكس التراجع بحلول نهاية عام 2024.

وحُوّلت الميزانية التسويقية لإظهار كيف “يوفّر إنستغرام لحظات صغيرة تقود إلى صداقات كبيرة”. كما خُطط لتحسين توصيات الأصدقاء بعد تحديد “التواصل المبكر” بوصفه أقوى مؤشر للاحتفاظ بالحسابات الجديدة، إذ إن 60% من المراهقين لا يضيفون أي أصدقاء في يومهم الأول على التطبيق.

“إنستغرام” ليس الخيار الأول

لكن الحاجة برزت أيضاً لتحسين محتوى “إنستغرام” الذي كان يتأخر أحياناً أسبوعاً أو أسبوعين عن الاتجاهات الرائجة على “تيك توك”. ولا يزال المراهقون، وفق الوثيقة، يفضّلون “تيك توك” أو “يوتيوب بوصفهما “التطبيق المفضل للترفيه”.

ورداً على ذلك، خططت “ميتا” لتحسين نظام ترتيب المحتوى لتوزيع منشورات صنّاع “المحتوى الجيد” بسرعة أكبر، واستخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على التفاعل مع المتابعين في التعليقات والرسائل الخاصة.

وأكدت الوثيقة أن “جزءاً كبيراً من تراجع المراهقين يمكن الحدّ منه إذا أصبحت أدوات النمو الأساسية لدينا فعّالة بقدر أدوات المنافسين مثل يوتيوب وتيك توك”. واستندت هذه الاستراتيجيات إلى دراسات داخلية سُلّم بعضها لاحقاً إلى الكونغرس. وأظهرت دراسة في يونيو/ حزيران 2023 أن مراهقي الجيلين زد وألفا أقل ميلاً لمشاركة تفاصيل حياتهم مع شبكاتهم الواسعة، معتبرة أن ضغط المشاركة في فضاء واحد يجعل كثيرين ينفرون منها، ويصفون من يبالغون في المشاركة بأنهم “محرجون” أو “فوضويون” أو “نرجسيون”.

وفي كانون الأول 2023، حدّد الباحثون أربع فئات من المراهقين الذين لم ينضموا بعد إلى المنصة: “الموسّعون الاجتماعيون”، و”الأصدقاء الخصوصيون”، و”باحثو الثقافات الفرعية”، و”هواة الهوايات الافتراضية”. وخلصوا إلى أن الفئتين الأولى والثانية، اللتين تمثلان 55% من المراهقين الأصغر سناً في الولايات المتحدة الذين لم ينضموا إلى “إنستغرام”، هما الأسهل استهدافاً.

وبحلول حزيران 2024، كانت الشركة لا تزال متأخرة عن أهدافها، إذ لم يفكّر سوى 20% من المراهقين غير المستخدمين لـ”إنستغرام” في الانضمام إليه، فيما ظلّ كثيرون يربطون التطبيق بـ”الضغط للكمال”.

وفي الشهر نفسه، طرح قادة “إنستغرام” خطة جديدة للنصف الثاني من العام، توسّع الاستراتيجيات السابقة، وشملت أفكاراً لإطلاق منتجات جديدة تستهدف المراهقين، مثل إتاحة ترك ملاحظات للأصدقاء على مساحات أكثر بحيث “يبدو مشاهدة ريلز وكأنها جلسة مع الأصدقاء”، إضافة إلى تطوير “خريطة أصدقاء” لتعزيز مشاركة المحتوى داخل الشبكات الشخصية.

وبحسب وثيقة استراتيجية منتصف عام 2024، كانت الأهداف طويلة الأمد طموحة، إذ سعت الشركة إلى جعل المراهقين يفضّلون “إنستغرام” على “تيك توك” بحلول عام 2026 في الولايات المتحدة وعالمياً، وتحويله إلى “أكبر منصة للمراهقين” في العالم بحلول عام 2027.

ورغم هذه الجهود، أظهرت الوثائق أن عدد المراهقين المستخدمين لـ”إنستغرام” تراجع مقارنة بعام 2024، وأعلنت الشركة في ربيع هذا العام أنها ستبدأ أيضاً بتتبع فئة الشباب البالغين “لتقييم تحوّل محتمل نحوهم في عام 2026”.

ومع ذلك، تواصل الشركة تقديم “إنستغرام” بوصفه تطبيقاً آمناً للمراهقين ويمكن للآباء الوثوق به. وفي تشرين الأول، ظهر موسيري في برنامج “توداي” (Today) للحديث عن تطبيق معايير تصنيف الأفلام لمن هم فوق 13 عاماً على حسابات المراهقين. وعند سؤاله عمّا إذا كان “إنستغرام” يقدّم إبقاء المراهقين متفاعلين على سلامتهم، دافع موسيري عن نهج الشركة، مؤكداً أن “مسؤوليتنا هي تعظيم التجارب الإيجابية وتقليل التجارب السلبية”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى