مقالات

الخبير في مجال الأعمال الالكترونية أحمد غندور يكتب لـ ” رقمنة ”: هل يحوّل الأردن تقنيات المستقبل إلى قصة نجاح وطنية؟

رقمنة 

*الاستاذ الدكتور أحمد غندور 

ما يجري اليوم في الأردن في ملف التقنيات القادمة ليس فعالية عابرة ولا “ورشة بروتوكولية”. ما نراه محاولة مبكرة لصياغة ملامح مستقبل رقمي للدولة، من خلال حوار وطني تقوده وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، وبشراكة مع مؤسسات حكومية وجامعات وقطاع خاص ومنظمات دولية، وبدعم من الاتحاد الدولي للاتصالات.

حتى لا يبقى هذا الحراك في حدود الشعارات، نحتاج أن نضعه داخل مسار منطقي واضح. أي مشروع وطني جاد في مجال التحول الرقمي والتقنيات القادمة يحتاج ثلاث محطات مترابطة لا يجوز خلطها أو القفز فوق إحداها على حساب الأخرى: رؤية وطنية، ثم إطار وطني، ثم استراتيجية وطنية.

الرؤية الوطنية تجيب عن سؤال بسيط لكنه حاسم: ماذا نريد أن نصبح رقمياً خلال السنوات القادمة. هل نريد اقتصاداً رقمياً منتجاً أم مجرد استهلاك للخدمات والتطبيقات. ما موقع الأردن في سلاسل القيمة الرقمية الإقليمية والدولية. ما مستوى الجاهزية الرقمية للمواطن، وللمؤسسات، ولمنظومة التعليم والصحة والسياحة والخدمات العامة. الرؤية هنا ليست وثيقة إنشائية، بل صورة مستقبلية محددة تشكل مرجعاً للسياسات والقرارات اللاحقة، وتبني قدراً من التوافق الوطني حول الاتجاه العام.

بعد الرؤية يأتي دور الإطار الوطني. الإطار يجيب عن سؤال مختلف تماماً: بأي نظام سنعمل، ومن مسؤول عن ماذا، وبأي قواعد سنقيس النجاح. هنا ندخل إلى تفاصيل الحوكمة، وتوزيع الأدوار بين الوزارات والهيئات، وآليات التنسيق بين الحكومة والجامعات والقطاع الخاص، وطريقة إشراك الشباب ورواد الأعمال، وكيفية متابعة التنفيذ ومساءلة الجهات، وما هي المعايير والمؤشرات المعتمدة. الإطار يمنع الازدواجية، ويقلل تضارب الصلاحيات، ويحمي المشروع الوطني من أن يتحول إلى مبادرات متفرقة بلا رابط.

ثم تأتي الاستراتيجية الوطنية كخطوة ثالثة داخل هذا المسار. الاستراتيجية تجيب عن سؤال التنفيذ: كيف سنحقق الرؤية ضمن الإطار المحدد. ما البرامج الكبرى في التعليم والصحة والسياحة والخدمات الإلكترونية. ما أولويات الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والمهارات ورأس المال البشري. ما الجداول الزمنية، وما المستهدفات الكمية والنوعية، وما الموارد المطلوبة. الاستراتيجية ليست بديلاً عن الرؤية أو الإطار، بل أداة لترجمتهما إلى خطط عمل قابلة للتنفيذ والقياس.

أهمية اتباع هذا التسلسل المنطقي من الرؤية إلى الإطار إلى الاستراتيجية تظهر عندما ننظر إلى تجارب سابقة. كثير من الاستراتيجيات الوطنية في مجالات مختلفة عانت ضعف الأثر رغم جودة مضمونها، لأن الإطار المؤسسي لم يكن واضحاً، أو لأن الرؤية كانت غائبة أو فضفاضة. النتيجة وثائق جيدة على الورق، لكن قدرتها على تغيير الواقع محدودة. حين تغيب الرؤية تضيع البوصلة، وحين يغيب الإطار تضيع المسؤولية، وحين تغيب الاستراتيجية يتعطل التنفيذ.

الحديث الجاري اليوم عن “تمكين التقنيات القادمة” في التعليم والصحة والسياحة والخدمات الحكومية يفتح نافذة فرصة للأردن. إذا نجحنا في صياغة رؤية رقمية وطنية واضحة، ثم بناء إطار وطني يحكم العمل، ثم تطوير استراتيجية عملية واقعية، يمكن أن تتحول هذه الورش واللقاءات إلى نقطة انعطاف في مسار التحول الرقمي، لا إلى حلقة جديدة في سلسلة المبادرات المنقطعة.

التحدي الآن ليس في عقد المزيد من الفعاليات، بل في الإجابة الصريحة عن ثلاثة أسئلة متتابعة. ما الصورة التي نريد أن يكون عليها الأردن رقمياً. ما النظام الذي نريد أن نعمل من خلاله لتحقيق هذه الصورة. وما خطة العمل التي ستقودنا من وضعنا الحالي إلى تلك الوجهة خلال زمن محدد وبمؤشرات واضحة.

المشهد اليوم يقول إن الأردن يمتلك كفاءات بشرية وخبرات مؤسسية قادرة على إنجاح هذا المسار إذا توفرت الإرادة واتضحت الأدوار. الرهان أن لا نقفز مباشرة إلى “استراتيجية جديدة” قبل أن نحسم الرؤية ونثبت الإطار، وأن لا نبقى أسرى لغة عامة ترضي الجميع ولا تلزم أحداً بشيء. التقنيات القادمة ليست ترفاً ولا خياراً جانبياً، بل جزء من معادلة الأمن الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي للدولة.

السؤال الذي يبقى مطروحاً أمام صانع القرار وأمام النخب والشركاء جميعاً هو: هل نمتلك الشجاعة لاعتماد هذا المسار المنطقي الرؤية أولاً، ثم الإطار، ثم الاستراتيجية، والالتزام به حتى يتحول إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، ويشعر بها الشباب في فرصهم الجديدة داخل الاقتصاد الرقمي القادم؟ أنت كيف ترى هذه الخطوة، وهل نمتلك فعلاً الإرادة والمؤسسات والوعي لتحويل تقنيات المستقبل إلى قصة نجاح وطنية؟تى لا يبقى هذا الحراك في حدود الشعارات، نحتاج أن نضعه داخل مسار منطقي واضح.

أي مشروع وطني جاد في مجال التحول الرقمي والتقنيات القادمة يحتاج ثلاث محطات مترابطة لا يجوز خلطها أو القفز فوق إحداها على حساب الأخرى: رؤية وطنية، ثم إطار وطني، ثم استراتيجية وطنية.

الرؤية الوطنية تجيب عن سؤال بسيط لكنه حاسم: ماذا نريد أن نصبح رقمياً خلال السنوات القادمة. هل نريد اقتصاداً رقمياً منتجاً أم مجرد استهلاك للخدمات والتطبيقات. ما موقع الأردن في سلاسل القيمة الرقمية الإقليمية والدولية. ما مستوى الجاهزية الرقمية للمواطن، وللمؤسسات، ولمنظومة التعليم والصحة والسياحة والخدمات العامة. الرؤية هنا ليست وثيقة إنشائية، بل صورة مستقبلية محددة تشكل مرجعاً للسياسات والقرارات اللاحقة، وتبني قدراً من التوافق الوطني حول الاتجاه العام.

بعد الرؤية يأتي دور الإطار الوطني. الإطار يجيب عن سؤال مختلف تماماً: بأي نظام سنعمل، ومن مسؤول عن ماذا، وبأي قواعد سنقيس النجاح. هنا ندخل إلى تفاصيل الحوكمة، وتوزيع الأدوار بين الوزارات والهيئات، وآليات التنسيق بين الحكومة والجامعات والقطاع الخاص، وطريقة إشراك الشباب ورواد الأعمال، وكيفية متابعة التنفيذ ومساءلة الجهات، وما هي المعايير والمؤشرات المعتمدة. الإطار يمنع الازدواجية، ويقلل تضارب الصلاحيات، ويحمي المشروع الوطني من أن يتحول إلى مبادرات متفرقة بلا رابط.

ثم تأتي الاستراتيجية الوطنية كخطوة ثالثة داخل هذا المسار. الاستراتيجية تجيب عن سؤال التنفيذ: كيف سنحقق الرؤية ضمن الإطار المحدد. ما البرامج الكبرى في التعليم والصحة والسياحة والخدمات الإلكترونية. ما أولويات الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والمهارات ورأس المال البشري. ما الجداول الزمنية، وما المستهدفات الكمية والنوعية، وما الموارد المطلوبة. الاستراتيجية ليست بديلاً عن الرؤية أو الإطار، بل أداة لترجمتهما إلى خطط عمل قابلة للتنفيذ والقياس.

أهمية اتباع هذا التسلسل المنطقي من الرؤية إلى الإطار إلى الاستراتيجية تظهر عندما ننظر إلى تجارب سابقة. كثير من الاستراتيجيات الوطنية في مجالات مختلفة عانت ضعف الأثر رغم جودة مضمونها، لأن الإطار المؤسسي لم يكن واضحاً، أو لأن الرؤية كانت غائبة أو فضفاضة. النتيجة وثائق جيدة على الورق، لكن قدرتها على تغيير الواقع محدودة. حين تغيب الرؤية تضيع البوصلة، وحين يغيب الإطار تضيع المسؤولية، وحين تغيب الاستراتيجية يتعطل التنفيذ.

الحديث الجاري اليوم عن “تمكين التقنيات القادمة” في التعليم والصحة والسياحة والخدمات الحكومية يفتح نافذة فرصة للأردن. إذا نجحنا في صياغة رؤية رقمية وطنية واضحة، ثم بناء إطار وطني يحكم العمل، ثم تطوير استراتيجية عملية واقعية، يمكن أن تتحول هذه الورش واللقاءات إلى نقطة انعطاف في مسار التحول الرقمي، لا إلى حلقة جديدة في سلسلة المبادرات المنقطعة.

التحدي الآن ليس في عقد المزيد من الفعاليات، بل في الإجابة الصريحة عن ثلاثة أسئلة متتابعة. ما الصورة التي نريد أن يكون عليها الأردن رقمياً. ما النظام الذي نريد أن نعمل من خلاله لتحقيق هذه الصورة. وما خطة العمل التي ستقودنا من وضعنا الحالي إلى تلك الوجهة خلال زمن محدد وبمؤشرات واضحة.

المشهد اليوم يقول إن الأردن يمتلك كفاءات بشرية وخبرات مؤسسية قادرة على إنجاح هذا المسار إذا توفرت الإرادة واتضحت الأدوار. الرهان أن لا نقفز مباشرة إلى “استراتيجية جديدة” قبل أن نحسم الرؤية ونثبت الإطار، وأن لا نبقى أسرى لغة عامة ترضي الجميع ولا تلزم أحداً بشيء. التقنيات القادمة ليست ترفاً ولا خياراً جانبياً، بل جزء من معادلة الأمن الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي للدولة.

السؤال الذي يبقى مطروحاً أمام صانع القرار وأمام النخب والشركاء جميعاً هو: هل نمتلك الشجاعة لاعتماد هذا المسار المنطقي الرؤية أولاً، ثم الإطار، ثم الاستراتيجية، والالتزام به حتى يتحول إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، ويشعر بها الشباب في فرصهم الجديدة داخل الاقتصاد الرقمي القادم؟ أنت كيف ترى هذه الخطوة، وهل نمتلك فعلاً الإرادة والمؤسسات والوعي لتحويل تقنيات المستقبل إلى قصة نجاح وطنية؟

*الخبير في تخصص الاعمال الالكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى