
رقمنة
* أيمن اسحاق اللحام
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، لم تعد ريادة الأعمال مجرد نشاط اقتصادي تقليدي، بل أصبحت ممارسة تقوم على فكر استباقي ومهارات تقنية متقدمة تمكّن الشباب من تحويل الأفكار إلى حلول واقعية قابلة للتطبيق.
إن التحدي الأكبر اليوم لا يكمن في غياب الأفكارالريادية، بل في محدودية المهارات اللازمة لتحويل هذه الأفكار إلى مشاريع مستدامة في بيئة رقمية متغيرة باستمرار.
المهارات التقنية كركيزة أساسية لريادة الأعمال
لقد أصبح امتلاك المهارات التقنية والتكنولوجية ضرورة لا غنى عنها لأي شاب يسعى للدخول في عالم ريادة الأعمال.
فهذه المهارات سواء في تحليل البيانات أو إدارة المنصات الرقمية أو تطوير الأنظمة الذكية تشكل الأساس الذي يُبنى عليه النجاح .
ولعل التحول من “اقتصاد العمل” إلى “اقتصاد المعرفة” جعل القيمة الفردية تقاس اليوم بقدرة الشخص على إنتاج المعرفة واستخدام التكنولوجيا لإيجاد الحلول، وليس فقط بحيازته للشهادات الأكاديمية ، ومن هنا، فإننا نعيش اليوم ما يمكن تسميته بـ عصر المهارات لا عصر الشهادات ، فالمهارة أصبحت العملة الجديدة في سوق العمل، والقدرة على التطوير المستمر باتت معيار التفوق والتميّز.
المحتوى الرقمي كأداة لتسويق الذات والمشروعات
في سياق التحول الرقمي، لم يعد المحتوى الرقمي مجرد وسيلة للتسويق التجاري، بل أصبح أداة استراتيجية لتسويق الذات وبناء الهوية المهنية.
إن قدرة الشباب على إنتاج محتوى ذي قيمة سواء عبر المقالات أو الفيديوهات أو المنصات التعليمية تعكس مستوى وعيهم المهني وتمكنهم من تعزيز حضورهم الرقمي وفتح آفاق جديدة للتعاون والتوظيف والتمويل.
إن تسويق الذات الرقمي لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل هو ضرورة تنافسية في سوق عمل يعتمد على الظهور، التواصل، والمصداقية الرقمية ، كل منشور أو محتوى جيد يمثل “سيرة ذاتية مصغّرة” يمكن أن تغيّر مستقبل صاحبه.
الذكاء الاصطناعي… من الاستخدام إلى الإبداع
لقد بات الذكاء الاصطناعي أحد أهم أدوات التنمية الاقتصادية وريادة الأعمال، لكن الخط الفاصل بين الاستخدام التلقائي والابتكار الحقيقي يحدده الإنسان نفسه.و المطلوب اليوم ليس فقط إتقان أدوات الذكاء الاصطناعي، بل القدرة على توظيفها بذكاء وإبداع في تطوير المنتجات والخدمات وحل المشكلات المجتمعي، وهنا نؤكد بإنه على الشباب أن يتحولوا من مجرد مستخدمين للتكنولوجيا إلى مبتكرين ومصممين لتطبيقاتها المستقبلية.فهذه النقلة النوعية هي ما يميز بين من يواكب الثورة الصناعية الرابعة، ومن يصنعها.
البطالة في ظل الثورة التكنولوجية: التحدي والفرصة
رغم المخاوف المتزايدة من تأثير التكنولوجيا على معدلات البطالة، إلا أن الواقع يُظهر أن كل مرحلة من التحول التكنولوجي تخلق فرصًا جديدة بقدر ما تُلغي وظائف قديمة ، فقد شهدنا في السنوات الأخيرة ظهور مهن لم تكن موجودة سابقًامثل مطوري المحتوى الرقمي، ومهندسي البيانات، ومصممي الخبرات الافتراضية وهي جميعها ثمرة مباشرة للتحول الرقمي.
إن ما يميز الجيل الجديد من الشباب هو قدرتهم على اقتناص الفرص الناشئة في ظل التغيرات التكنولوجية، وتحويل الاحتياجات الجديدة في المجتمع إلى مشاريع ريادية مستدامة.، وبينما أغلقت التكنولوجيا بعض الأبواب، فقد فتحت في المقابل نوافذ لا حصر لها للابتكار والعمل الحر لمن يملكون الفكر الريادي والمهارات الحديثة.
الشباب الأردني وريادة الأعمال في ظل القيادة الهاشمية
يُعد الشباب الأردني من أكثر فئات المنطقة حيوية وطموحًا، فقد أثبتوا عبر مبادراتهم ومشروعاتهم الريادية قدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص، وعلى بناء نماذج نجاح محلية ذات أثر إقليمي ، ويأتي هذا الإبداع في ظل رعاية ودعم مباشر من حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يؤمن بأن الشباب هم الثروة الحقيقية للأردن ومحرك التنمية المستقبلية.
كما يواصل سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني دعمه المستمر لمبادرات الابتكار والريادة وتمكين الشباب، من خلال مشاريع وبرامج تعزز بيئة الابتكار وريادة الأعمال، وتوفر منصات تعليمية ومجتمعية تتيح لهم التعبير عن أفكارهم وتحويلها إلى إنجازات واقعية.
لقد أصبح الأردن بفضل رؤيته الملكية وتوجهاته الاستراتيجية مركزًا إقليميًا لريادة الأعمال الرقمية، ومثالًا يحتذى به في الاستثمار بالطاقات الشبابية وتبني الحلول المبتكرة التي تلبي احتياجات المجتمع المحلي والإقليمي.
نحو مستقبل قائم على المهارة والإبداع
إن المستقبل القريب لن يكون حكراً على من يمتلك رأس المال أو الموارد، بل على من يمتلك القدرة على التعلم والتأقلم والإبداع المستمر.، فريادة الأعمال في عصر الذكاء الاصطناعي لم تعد مجرد هدف اقتصادي، بل أصبحت مسارًا معرفيًا وإنسانيًا يسهم في بناء مجتمعات منتجة ومواكبة للتحولات العالمية.
ومن هنا، فإن تطوير المهارات التقنية وصناعة المحتوى الرقمي واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بوعي وابتكار تمثل المفاتيح الأساسية لمستقبل الشباب، ليس فقط للبقاء في سوق العمل، بل لقيادته وصناعته.
ختامًا
تأتي هذه الرؤية تزامنًا مع قرب انطلاق فعاليات أسبوع الريادة العالمي 2025 في شهر نوفمبر الحالي، والذي يشكل مناسبة مهمة لتسليط الضوء على قصص النجاح الأردنية في مجال الريادة، ولتجديد الالتزام بدعم الشباب وتعزيز بيئة الابتكار في المملكة. ، فكل مبادرة، وكل فكرة، وكل مهارة مكتسبة هي خطوة نحو أردنٍ أكثر ازدهارًا وريادةً تحت ظل القيادة الهاشمية المُلهمة .
الكثير من المواضيع التي سنتحدق فيها مستقبلا حول ريادة الاعمال ، صناعة المحتوى الرقمي ، الذكاء الاصطناعي ودخول التكنولوجيا في جميع مناحي الحياة في مقالات قادمه ، حيث التوجه الى رقمنة كل شي نحو عالم رقمي ومزيد من الريادة والابتكار .
*مستشار ومدرب في تطوير المهارات وريادة الأعمال الرقمية




