
أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني عن إتمام مراجعتها الدورية لتصنيفات الأردن، مؤكدة أن التقرير لا يشكل أي قرار تصنيف جديد، وإنما يقدّم تقييما مستمرا للوضع الاقتصادي والمالي للأردن، وفقا لتقرير الوكالة الذي اطلعت عليه “المملكة”.
وفقا لمراجعة موديز، فإن تصنيفات الأردن طويلة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية (Ba3) تعكس قوة مؤسسات الدولة في وضع السياسات الاقتصادية والمالية، والدعم الدولي القوي، والوصول إلى مدخرات محلية كبيرة، حيث إنّ المؤشرات الإيجابية تتوازن مع تحديات مثل ارتفاع الدين العام، البطالة، والنمو الاقتصادي المتواضع نسبيا، إلى جانب الضغوط الإقليمية المتقلبة.
وحافظ الأردن خلال العام الحالي على استقرار الاقتصاد الكلي، مع نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8% في النصف الأول من العام الحالي، مدعوما بقطاعات التصنيع، والسياحة، وخدمات الأعمال، ومن المتوقع أن ينهي العام عند 2.7%.
ويرجح أن يرتفع معدل النمو إلى نحو 3% خلال 2026-2027 بدعم مشاريع رئيسية مثل مشروع تحلية مياه العقبة، وتطوير حقل غاز الريشة، وفي الوقت نفسه تستفيد الوضعية الخارجية للأردن من تدفقات سياحية قوية وزيادة حادة في الصادرات إلى سوريا، مما يساعد على تنويع قاعدة الصادرات.
ويتوقع أن يظل عجز الحكومة العامة عند 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025 قبل أن ينخفض إلى نحو 2.1% في 2026-2027، مع استمرار الإصلاحات الضريبية ضمن برنامج الأردن مع صندوق النقد الدولي لدعم التوحيد المالي التدريجي.
ويعكس تصنيف القوة الاقتصادية للأردن أداء النمو المعتدل وانفتاح الاقتصاد مع انخفاض تقلبات النمو، أما قوة المؤسسات والحوكمة فتستند إلى سجل الأردن في تنفيذ السياسات المالية والإصلاحات الاقتصادية بشكل فعّال، مع القدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية.
كما يعكس تصنيف القوة المالية للأردن بسبب ربط الدينار الموثوق بالدولار، مما يقلل من تعرض الالتزامات الحكومية لتقلبات أسعار الصرف السلبية.
التوقعات المستقبلية للملف الائتماني للأردن
تشير موديز إلى أن الإصلاحات واسعة النطاق يمكن أن تعزز الاستثمارات الأجنبية، وتحسن النمو على المدى المتوسط، وتخفض البطالة والمخاطر الاجتماعية، ما قد يقوي الاقتصاد الأردني على المدى الطويل.
كما أن انخفاضا موثوقا ومستداما في المخاطر الجيوسياسية الإقليمية يرفع القيود عن آفاق التنمية الاقتصادية الأردنية طويلة الأجل قد يؤدي إلى ترقية التصنيف الائتماني للأردن.
وفي ذات السياق يحمل تقرير وكالة التصنيف الائتماني العالمية موديز الأخير عن الأردن دلالات اقتصادية عميقة تتجاوز مجرد تثبيت التصنيف عند مستوى (Ba3)، إذ يُعدّ بمثابة شهادة ثقة دولية جديدة بالاقتصاد الأردني، تؤكد قدرته على الصمود أمام الضغوط الإقليمية والاقتصادية، ومواصلة تنفيذ إصلاحاته الهيكلية بثبات.
وزير المالية الأسبق الدكتور محمد ابو حمور، أكد في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية “بترا” اليوم أن الاحتفاظ بتصنيف مستقر في ظل بيئة عالمية مضطربة، وتحديات داخلية تشمل ارتفاع الدين والبطالة وتواضع النمو، يعكس نجاح السياسات الاقتصادية والمالية التي انتهجتها الحكومة الأردنية في السنوات الأخيرة.
وأضاف، أن هذا يعني أن الأردن استطاع أن يوازن بين متطلبات الانضباط المالي، واستمرار الإنفاق التنموي والخدماتي، دون أن يفقد ثقة مؤسسات التصنيف الدولية أو شركائه الدوليين.
من الناحية العملية، أكد ابو حمور، أن هذا التصنيف يوفر مظلة أمان استثمارية للمملكة، إذ يشكّل مؤشراً إيجابياً للمستثمرين والبنوك الدولية على استقرار البيئة الاقتصادية والنقدية في الأردن، فوكالات التصنيف مثل موديز تُعد مرجعاً رئيسياً للمؤسسات المالية في تحديد مخاطر الإقراض والاستثمار، وبالتالي، فإن تثبيت التصنيف عند درجة مستقرة يعني أن الأردن يتمتع بمستوى مقبول من الجدارة الائتمانية، ما يساهم في خفض كلفة الاقتراض مستقبلاً وتحسين شروط التمويل للمشاريع التنموية الكبرى.
وأشار إلى أن التقرير يعزز سمعة الأردن الائتمانية أمام المؤسسات المانحة وصناديق التمويل الدولية، إذ يثبت أن المملكة قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية، وتتمتع بسياسات نقدية متماسكة بفضل استقرار الدينار الأردني المرتبط بالدولار الأميركي. هذا الربط، الذي أشادت به “موديز”، يشكّل أحد أعمدة الثقة بالاقتصاد المحلي ويمنح المستثمرين شعوراً بالاستقرار في ظل تقلبات أسعار الصرف الإقليمية والعالمية.
ويشير التحليل الوارد في التقرير إلى أن قوة الاقتصاد الأردني تكمن في الاستمرارية المؤسسية والانضباط في تنفيذ السياسات الإصلاحية، حيث تمتلك الحكومة خبرة تراكمية في إدارة المديونية العامة وضبط النفقات وتحسين الإيرادات دون المساس بالاستقرار الاجتماعي أو النقدي.
أما النظرة المستقبلية التي تضمنها تقرير موديز، فهي تمنح إشارات تفاؤلية، إذ ترى الوكالة أن استمرار الإصلاحات الاقتصادية، لا سيما في بيئة الاستثمار وسوق العمل، سيعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية ويحفّز النمو، بما ينعكس إيجاباً على معدلات التشغيل ويقوي البنية الاقتصادية للمملكة على المدى الطويل، بحسب ابو حمور.
وأوضح، أن التقرير لا يقدّم تقييماً رقمياً فحسب، بل يرسم خريطة ثقة تشير إلى أن الأردن يسير في الاتجاه الصحيح، وأن الإصلاحات التي اتخذها ليست شكلية بل مؤسسية، وأن استقراره السياسي والنقدي أصبح عامل جذب في منطقة تموج بالتقلبات.
وأشار أن تثبيت التصنيف الائتماني للأردن اليوم يعني عملياً أن الاقتصاد الأردني يتمتع بمرونة عالية وثقة دولية راسخة، وأنه يمتلك القدرة على مواجهة الصدمات، والتكيف مع التغيرات الإقليمية، والحفاظ على استقراره المالي والنقدي. وهو بذلك يبعث رسالة طمأنينة للأسواق والمستثمرين مفادها، أن الأردن، رغم محدودية موارده، ينجح في تحويل التحديات إلى فرص، ويواصل ترسيخ مكانته كاقتصاد مستقر في قلب منطقة مضطربة.
المملكة + بترا



