
رقمنة
شهد مجال الترجمة في الأردن في الآونة الأخيرة تحولات نوعية بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.
وأوضح خبراء في الترجمة بمناسبة اليوم العالمي للترجمة الذي يصادف اليوم الثلاثاء تحت شعار “الترجمة، صياغة مستقبل يمكن أن تثق فيه”، أن دمج التقنية مع المراجعة البشرية يساهم في تعزيز جودة المحتوى وترسيخ الهوية الوطنية.
وشددوا على أهمية وضع استراتيجيات واضحة لضمان استمرار هذا القطاع الحيوي وفق أعلى معايير الجودة والتعاون بين المؤسسات المعنية في هذا المجال.
رئيس الرابطة الأردنية للمترجمين واللغويين التطبيقيين الدكتور سليمان العباس، أكد أهمية التطورات التكنولوجية في مجال الترجمة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن هذا الموضوع يشغل حيزاً كبيراً من النقاشات بين المختصين في هذا المجال.
وأشار العباس، الذي يمتلك خبرة تمتد لنحو 50 عاماً في الترجمة والصناعة المعجمية، إلى أن التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي أحدثت نقلة نوعية في مجال الترجمة، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الترجمة البشرية.
وقال: “بدأنا بالترجمة بمساعدة الحاسوب، ثم تطورنا إلى الترجمة الآلية، والآن نصل إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يشكل تطوراً كبيراً في هذا المجال”.
وأضاف أن جودة الترجمة شهدت تحسناً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة بفضل هذه التطورات، إلا أنه حذر من الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في ترجمة النصوص العالية المستوى، مؤكداً أن جودة الترجمة البشرية تؤثر بشكل مباشر على أداء الذكاء الاصطناعي.
وأوضح العباس، الذي أشرف على إعداد قاموس “أطلس” الإلكتروني والمطبوع، أن الترجمة الآلية لن تغني عن الترجمة البشرية، والعكس صحيح، مشيراً إلى أن التعاون بينهما هو المفتاح لإنتاج ترجمات عالية الجودة.
وقال: “يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين الذكاء الاصطناعي والمترجمين البشر لتحقيق أعلى مستويات الأداء”.
وأكد أن مستقبل الترجمة لا يزال غير واضح تماماً، لكنه أبدى تفاؤله بإمكانية تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والقدرات البشرية لضمان استمرارية هذا المجال الحيوي في ظل التطورات المتسارعة.
وفي هذا الصدد، بين العباس أهمية الترجمة كونها تمثل نافذة حضارية تربط الأردن بالعالم، وتساهم في نقل إنجازاتنا الوطنية للمجتمعات الدولية.
وقال: “الترجمة ليست مجرد وسيلة لنقل النصوص، بل هي جسر تواصل يعكس وجه المملكة الحضاري والثقافي، ويجسد عمق اهتمامنا بالتبادل المعرفي”.
وأشار إلى أن واقع حركة الترجمة في الأردن يتطلب تطويراً حقيقياً، يتأسس على خطط واضحة ومعايير محددة تضمن جودة الأداء وتجنب العشوائية، مؤكداً أهمية وجود أطر تنظيمية واضحة وملتزمة بمعايير الجودة.
ونوه إلى ضرورة الانتقائية في اختيار الأعمال المترجمة، لافتاً إلى أن وزارة الثقافة ودائرة المطبوعات والمكتبة الوطنية يجب أن تكون الجهات المشرفة على هذه العملية، لضمان أن تتوجه الترجمة نحو نشر المعرفة التي تبرز إنجازات الأردن وتعرّف العالم بمخرجاته العلمية والثقافية.
وفي سياق تعزيز الهوية الوطنية، أكد العباس أهمية ترجمة الأعمال التي تُصدر داخل المملكة من كتب ودراسات، خاصة تلك التي تبرز إنجازات الوطن، سواء على الصعيد السياسي أو التاريخي أو الثقافي، وذلك لتعريف العالم بوجه الأردن الحضاري.
كما شدد على ضرورة التنسيق بين الجهات المعنية لضمان اطلاع متكامل على الأعمال المترجمة أو المؤلفة، من أجل بناء مكتبة معرفية وطنية غنية وشاملة تلبي احتياجات المؤسسات التعليمية والأكاديمية.
وفيما يتعلق بالجانب اللغوي، أكد أهمية ترجمة المحتوى من العربية إلى اللغة الإنجليزية، وبالعكس، مع دراسة جدوى دقيقة لأي ترجمة إلى لغات أخرى، حسب الميزانيات المخصصة لهذا الغرض من قبل وزارة الثقافة وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
كما دعا إلى تفعيل دور اللجنة الوطنية المعنية بتقييم الأعمال المترجمة، بهدف ضمان نزاهة التحكيم وموضوعيته، بعيداً عن الاعتبارات الشخصية أو الخاصة.
وأعرب العباس عن تقديره العالي لرابطة المترجمين واللغويين الأردنيين التطبيقيين، مشيداً بدورهم في خدمة الوطن، ومؤكداً على أن التعاون المستمر بين الرابطة ووزارة الثقافة سيظل ركيزة أساسية لتعزيز ثقافة الترجمة والنهوض بها لتحقيق المصلحة الوطنية العليا.
رئيس جمعية المترجمين الأردنيين، الدكتور محمد عبيدات، بين أن أدوات الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي قد ساهمت بشكل كبير في تسهيل عمل المترجمين من خلال توفير ترجمات عالية الدقة في مختلف مجالات العلوم والأدب.
وأشار عبيدات وهو عضو هيئة التدريس في قسم الترجمة في جامعة اليرموك والمختص في دراسات الترجمة منذ حوالي 20 عاما إلى أن هناك تحديات لا تزال قائمة، حيث تعجز أدوات الذكاء الاصطناعي عن فهم الجوانب الثقافية والتقاليد والمعتقدات الأيديولوجية، خاصة في التعامل مع الأبعاد الثقافية وظلال المعاني في العبارات الاصطلاحية والاستعارات والعبارات البلاغية.
وأضاف أن الأدوات تواجه أيضا صعوبات في التعامل مع الجوانب النحوية للجمل، سواء عند الترجمة من وإلى اللغة العربية، حيث أحياناً تقدم صياغات غير عربية وتفتقر للانسيابية اللغوية.
ودعا عبيدات إلى دور مهم للمترجمين في التدقيق والمراجعة والتحرير اللغوي لضمان إخراج نصوص مترجمة بشكل صحيح وفعال، تضمن إيصال المعاني بشكل سلس ودقيق للمستفيدين.
وأشار خبير الترجمة المؤسس والمدير العام لشركة سانت لويس للترجمة والتدريب، عبدالله رشيد الشنيطي، ، إلى أنه من خلال خبرته التي تجاوزت العشر سنوات في الترجمة، أن عالم الترجمة يشهد تحولات جذرية نتيجة للتطورات التقنية، خاصة الذكاء الاصطناعي، مشددًا على أن الاعتماد على هذه الأدوات يجب أن يرافقه خبرة بشرية متخصصة لضمان الجودة والأمان.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهل المهام الروتينية، لكنه لا يغني عن دور المترجم الخبير الذي يفهم السياق الثقافي واللغوي، خاصة في التعامل مع وثائق حساسة كالقانونية والمالية.
وأكد على أن مزيج التقنية والاحترافية البشرية هو السبيل لتحقيق أعلى مستويات الدقة والكفاءة في الترجمة.
وركز على أن استخدام هذه الأدوات يثير مخاوف حول سرية البيانات، خصوصًا عند التعامل مع وثائق قانونية أو مالية حساسة، وهنا يأتي دورنا لضمان أمن المعلومات وجودة المخرجات.
كما شدد على أهمية التخصص في المجال الترجمي، حيث أصبح عنصرًا حاسمًا لضمان الموثوقية، موضحًا أن التخصص ينسجم مع متطلبات النصوص الطبية والقانونية والمالية، لما لذلك من تأثير مباشر على صحة الإنسان وسلامة الأعمال.
وقال: “لمست أن التخصص بات عنصرًا حاسمًا لضمان الدقة والموثوقية؛ فالنصوص الطبية تحتاج إلى مترجم ملم بالمصطلحات العلاجية والتشخيصية، بينما العقود القانونية تستلزم خبرة بالقوانين المحلية والدولية، أما التقارير المالية فتعتمد على فهم عميق بالمحاسبة والاستثمار”.
وعرج على ما سبق لأهمية التخصص التي لا تنبع فقط من الدقة اللغوية، بل من أثرها المباشر على حياة الناس وأعمالهم؛ خطأ في تقرير طبي قد يهدد صحة المريض، وخطأ في عقد قد يجر نزاعات قانونية، بينما خطأ في ميزانية قد يسبب خسائر مالية جسيمة.
وأوضح الشنيطي أن مستقبل الترجمة يكمن في الجمع بين التخصص البشري والذكاء الاصطناعي، لافتا إلى أهمية العمل على توظيف هذين العنصرين لضمان نتائج احترافية تتوافق مع تطلعات السوق.
وبين أن الإنسان الذي ابتكر الذكاء الاصطناعي، وهو الأقدر على توجيهه وتطويعه ليخدم احتياجاتنا دون أن يحلّ محل خبرتنا؛ لتحقيق أفضل النتائج.
يشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت القرار رقم 71/288 في 24 أيار2017، بشأن دور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلنت يوم 30 أيلول يومًا دوليًا للترجمة.
المصدر : بشرى نيروخ – (بترا)