ذكاء اصطناعي

الوجه القبيح للذكاء الاصطناعي.. كيف يتعامل المجتمع مع تزييف المحتوى؟

رقمنة 

لم يمض الكثير من الوقت بعد توسع استخدامات الذكاء الاصطناعي في العالم الافتراضي، لكن آثاره السلبية بدأت بالانتشار بسرعة لم يتوقعها الناس لا سيما بعد حالة الفوضى التي نشأت بسبب تزييف المحتوى وأخذت تنتشر على نطاق واسع.

وبدأ التلاعب بالمحتوى عبر استخدام الذكاء الاصطناعي يأخذ منحى خطيرا بعد أن طال دمج الصور والصوت ومقاطع الفيديو بطريقة احترافية تجعل من الصعب على كثير من المتلقين التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، والمشكلة أن هنالك من يتربص بالآخرين ويقصد بهم الأذى عبر استخدام الذكاء الاصطناعي لصناعة محتوى مزيف وعرضه عبر مواقع التواصل الاجتماعي يهدف للتشهير بالآخرين أو إلحاق الضرر بهم أو توجيه الإساءة.

وأصبح الأمر سهلا اليوم، إذ يستطيع أي شخص أن ينشأ فيديو مزيفا يبدو كأنه حقيقي أو يُعدّل صورة ما أو يركّب صوتًا ينسبه إلى شخص ما وهو لم يقله أصلا عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، لكن في المقابل يصعب على كثير من الناس أن يميزوا صحة هذا الفيديو من عدمه ما يجعل الظاهرة خطرة على المجتمع وتكشف وجها قبيحا لهذه التكنولوجيا”.

وقبل أيام قليلة حذرت وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام من إساءة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وقالت الوحدة “هنالك من يقوم بتعديل أو دمج الصور والصوت ومقاطع الفيديو، ويتم التلاعب بالمحتوى ما يؤدي إلى التباس على المتلقي وأحيانا يوقع أضرارا ويحدث إساءات تطال الأشخاص والأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي”. 

وبينت الوحدة أن هنالك من يقوم بتزييف صور ودمجها، ويعمل على نشرها عبر شبكة الإنترنت أو التطبيقات وذلك لاعتبارات اجتماعية ضمن سلوكيات نفسية أو لغايات الاحتيال والنصب، وأهابت بالجميع بعدم القيام بالاستخدام الخاطئ لأدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي من حيث إجراء تركيب أو تعديل أو معالجة صور أو مقاطع فيديو بشكل ينتهك الخصوصية وغير صحيح لعدم التعرض للمساءلة القانونية.

ووسط حالة الفوضى هذه، يؤكد خبراء محليون أن المسألة اليوم لم تعد مسؤولية جهة واحدة بل هي مسؤولية تقع على الجميع والأفراد، بالتحقق من مصداقية المحتوى قبل مشاركته، المؤسسات الإعلامية بالتدقيق قبل النشر، والجهات الرسمية بوضع أطر قانونية واضحة تحاسب المخالفين. 

وبينوا أن هناك العديد من الأدوات التقنية التي يمكن الاعتماد عليها في عملية التحقق، تعتمد هذه الأدوات بشكل أساسي على مبدأ “البحث العكسي”، وهي أدوات تقنية طرحتها كبرى الشركات التقنية مثل جوجل واوبن اييه اي ومايكروسوفت وغيرها يمكن الاعتماد عليها في التحقق من مثل هذا المحتوى.

ولفت هؤلاء إلى أن الذكاء الاصطناعي أداة قوية لبناء المستقبل إذا استُخدم بوعي وأخلاق، لكن قيم النزاهة والمسؤولية هي الدرع الحقيقي الذي يحمي المجتمع من مخاطره، داعيين إلى تبني إستراتيجيات وبرامج توعية شاملة كخط دفاع أولي ضد ظاهرة التلاعب بالصور والفيديو عبر الذكاء الاصطناعي. 

الذكاء الاصطناعي واقع نعيشه 

وأكد المتخصص في الأعمال الإلكترونية أ.د.أحمد غندور أن الذكاء الاصطناعي لم يعد فكرة مستقبلية بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا، يرافقنا في صورنا، في فيديوهاتنا، في ما نسمعه وما نشاركه. 

وقال ” في البداية، رحّبنا به كأداة تسهّل العمل وتختصر الوقت، لكنه شيئًا فشيئًا بدأ يكشف عن وجه آخر، وجه يحمل تهديدات حقيقية تتجاوز مجرد الاستخدام الخاطئ، لتصل إلى جرائم إلكترونية تضر بالناس والمجتمعات”. 

وأوضح قائلا: ” لم يعد من الصعب على أي شخص اليوم أن يُنتج فيديو مزيفا يبدو حقيقيًا، أو يُعدّل صورة تُسيء إلى شخص آخر، أو يركّب صوتًا ينسب إليه كلامًا لم يقله، أدوات الذكاء الاصطناعي صارت متاحة للجميع، لكنها ليست محايدة، هي أدوات تطيع من يستخدمها، بقدر نيته ووعيه وأخلاقه”. 

حين يتحول الذكاء إلى جريمة

وأضاف غندور أن الجرائم الإلكترونية الناتجة عن إساءة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بدأت تتسع، بعضها يأخذ شكلًا بسيطًا في الظاهر مثل صورة مركبة، أو فيديو مفبرك، أو تسجيل صوتي مُعدّل لكنها تحمل أثرًا عميقًا على من تُستخدم ضده، سواء كان شخصًا عاديًا أو شخصية عامة وبعض هذه المحتويات يُستخدم للابتزاز، وبعضها للتشهير، وبعضها الآخر يمر على أنه مزحة… لكنه في الواقع جريمة مكتملة الأركان.

ولفت إلى أن الخطورة لا تتوقف عند الأذى الشخصي، بل تمتد إلى المجتمع كله، عندما يُصبح من السهل التلاعب بالمحتوى، تضعف ثقة الناس بكل ما يرونه ويسمعونه، وتتحول المنصات الرقمية إلى بيئة مضللة، يصعب فيها التمييز بين الحقيقة. 

الإبداع خطر حين لا يقيده وعي

وأضاف غندور أنه لا أحد ينكر أن أدوات الذكاء الاصطناعي قدّمت حلولًا مذهلة، في التصميم، في المونتاج، في الترويج والإعلانات، في التعليم. إذ يمكن لتطبيق بسيط أن يُنتج فيديو احترافيا خلال دقائق، أو يُحسّن جودة صورة قديمة، أو يُزيل الضوضاء من مقطع صوتي، أو يُصمم عرضًا بصريًا متكاملًا من مجرد كلمات.

وزاد قائلا: ” لكن السؤال ليس عمّا تستطيع هذه الأدوات فعله، بل عمّا يجب أن نفعله بها. لأن نفس الأداة التي تُستخدم لإنتاج المحتوى، قد تُستخدم لتشويه سمعة شخص ونفس التقنية التي تساعد طالبًا في شرح درس، قد تُستخدم في صناعة محتوى مزيف يضلل مئات الناس”. 

الفائدة والمخاطرة: حقيقتان لا تنفصلان

وأوضح غندور أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصور والفيديوهات ليس كله سيئًا، بل على العكس، هو تقدم يجب استثماره، لكنه في الوقت نفسه تقدم يحتاج إلى وعي، الصورة الجميلة التي تولد من خيال الذكاء الاصطناعي قد تخفي وراءها خطاب كراهية أو تضليلا متعمدا، الفيديو الدقيق قد يكون ملفقًا بالكامل، الفرق في النية، وفي المعرفة، وفي تحمل المسؤولية. 

رخصة القيادة الرقمية الدولية

وقدم غندور مجموعة من النصائح للمستخدمين والناس في هذا المجال، ودعا المستخدم إلى عدم تعديل صورة أي شخص دون إذنه، وألا تُشارك مقطعًا قبل التأكد من صحته.

وقال للمستخدم:” لا تظن أن المزاح بالتعديل الرقمي بريء، ولا تصدّق كل ما تراه أو تسمعه في الإنترنت”.

ونصح بعدم تجاهل الإساءة الرقمية، والإبلاغ عنها، ولا تترك  أبناءك وحدهم أمام هذه الأدوات، علمهم قبل أن يسبقوك إليها.

وأكد غندور أهمية مفهوم رخصة القيادة الرقمية الدولية كإطار تعليمي يهدف إلى تمكين الأفراد من التفاعل الواعي والمسؤول مع العالم الرقمي.

تحديات التزييف الرقمي والفهم النقدي للمحتوى

من جانبه، أكد الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي أن التلاعب بالمحتوى الرقمي، سواء كان صوراً أو فيديوهات أو أصواتاً، أصبح تحدياً كبيراً في ظل انتشار تكنولوجيا التزييف العميق.  

وقال الصفدي: “حماية أنفسنا والتحقق من صحة هذه المقاطع يتطلب مزيجاً من الأدوات التقنية والفهم النقدي للمحتوى. قبل اللجوء إلى أي أداة، يجب أن نعتمد على منهجية شاملة تبدأ بتحليل السياق والمصدر”. 

وبين الصفدي أنه من الضروري التحقق من هوية ناشر المحتوى، والبحث عن السياق الأصلي الذي نُشر فيه، ومقارنته بالتغطية الإعلامية الأخرى من المصادر الموثوقة، كما أن التدقيق في التفاصيل الدقيقة، مثل حركة الشفاه غير الطبيعية، أو الإضاءة غير المتناسقة، أو التشوهات في الخلفية، يمكن أن يكشف عن علامات التلاعب هذا النهج النقدي يمثل خط الدفاع الأول ضد المحتوى المضلل. 

أدوات التحقق والاعتماد على منهجية متكاملة

وقال الصفدي إنه إلى جانب الفهم النقدي، هناك العديد من الأدوات التقنية التي يمكن الاعتماد عليها في عملية التحقق تعتمد هذه الأدوات بشكل أساسي على مبدأ “البحث العكسي”، مثل استخدام Google Lens أو InVID-WeVerify للبحث عن أصل الصور والفيديوهات كما تتوفر أدوات متخصصة في كشف التزييف العميق مثل Deepware  وMicrosoft Video Authenticator التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل المقاطع وتحديد احتمالية التلاعب بها. 

قفزة في الذكاء الاصطناعي 

وقال الخبير في مجال الأعلام الرقمي إبراهيم الهندي إن “الذكاء الاصطناعي ومن خلال التحديثات والقفزات الكبيرة التي يشهدها أصبح جزءا مهما من الأعمال والمشاريع، خاصة أن لديه قدرة على تعديل الصور وإنشاء مقاطع فيديو وأفلام قد تبدو حقيقية بشكل يصعب التفرقة بينها وبين الواقع”. 

وبين الهندي أنه أصبح بإمكان أي شخص، اليوم ودون الحاجة إلى معرفة تقنية كبيرة، استخدام تطبيقات أو مواقع لتوليد صور مزيفة، أو تغيير الأصوات وتركيبها على مقاطع فيديو تم بناؤها بالكامل بالذكاء الاصطناعي.

وأضاف أنه رغم أن هذه القدرات فتحت آفاقًا جديدة للإبداع، إلا أنها أثارت أيضًا كثيرًا من المخاوف القانونية والأخلاقية.

وبين الهندي أن تعديل الصور والفيديوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الترفيه أو الفن، بل أصبح وسيلة خطرة للتضليل وانتهاك الخصوصية، واستخدام هذه الصور والفيديوهات للابتزاز، أو الاحتيال الإلكتروني، مشيرا إلى  أنه أصبحت تزداد خطورة هذه الظاهرة حين تنتشر هذه المواد بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يصعب السيطرة عليها أو تصحيح أثرها.

إثر إيجابي للذكاء الاصطناعي

ورغم هذه المخاطر، قال الهندي إنه لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التصميم، التسويق، وصناعة المحتوى. فقد أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي مهمة جدا للمصممين وصنّاع المحتوى وقدمت لهم قدرات غير مسبوقة في توليد صور عالية الجودة، وإنتاج مقاطع فيديو احترافية، وإنشاء شخصيات رقمية تتحدث بلغات ولهجات مختلفة.

وضرب مثلا كيف خفض الذكاء الاصطناعي من كلف الإنتاج أقل، والعمليات لإنتاج العمل أسرع بشكل كبير، بل أصبحت توفر عمل الأيام في ساعات، من خلال تسريع عمليات الإنتاج.

وقال الهندي: ” برأيي أن الذكاء الاصطناعي هو أداة مزدوجة، تعتمد نتائجها على طريقة استخدامها، فهو قادر على تمكين الإبداع وإثراء العمل الإبداعي، لكنه في الوقت نفسه قد يتحوّل إلى وسيلة خطيرة لنشر الأكاذيب والمحتوى المضلل، لذا فالوعي هو خط الدفاع الأول في مواجهة هذا التحدي، حيث أننا لا يمكننا إيقاف تطور التكنولوجيا، لكن يمكننا أن نكون أكثر وعيًا في التعامل معها، وأن نساهم في تشكيل ثقافة رقمية مسؤولة”. 

نصائح لمواجهة المحتوى المضلل

وقدم الهندي من واقع خبراته مجموعة من النصائح للمستخدمين وصناع المحتوى ومنها: احترام خصوصية الآخرين وعدم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتعديل صور أو فيديوهات تخص أشخاصًا دون إذنهم، حتى وإن كان ذلك من باب المزاح. 

ودعا الهندي المستخدم إلى التحقق من مصادر المحتوى وعدم تصديق كل ما نراه أو تسمعه، فالمحتوى المفبرك أصبح أكثر إقناعًا من أي وقت مضى. 

ودعا الهندي المستخدم إلى الإبلاغ عن الانتهاكات للجهات المختصة، اذا شاهد محتوى مزيّفًا أو مسيئًا. 

ونصح باستخدام الذكاء الاصطناعي بإيجابية وجعله أداة للإبداع والتعليم والتأثير الإيجابي، وليس وسيلة للضرر أو الإساءة.

ونصح بالقول “يجب أن يكون المستخدم قدوة رقمية والتصرّف بمسؤولية على الإنترنت، فالسلوك الفردي يساهم في بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا وإنسانية”. 

 

المصدر : الغد – ابراهيم المبيضين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى