امن المعلومات

الأمن السيبراني……. من أداة حماية إلى ركيزة للاستدامة العالمية

رقمنة 

يشهد الأمن السيبراني تحولًا نوعيًا من دوره التقليدي في حماية البيانات والأنظمة، إلى كونه عنصرًا أساسيًا في دفع عجلة الاستدامة العالمية.

ومع توسع البنية التحتية الرقمية، لم يعد التركيز مقتصرًا على الحماية التقنية، بل امتد ليشمل قضايا استهلاك الطاقة، وتعزيز الحوكمة الأخلاقية، وتنمية قوى عاملة متنوعة وشاملة.

ومن خلال تفكيك الجرائم الإلكترونية المهدرة للطاقة، واعتماد مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل هدر الأجهزة، والاستثمار في المواهب المتنوعة، يساهم الأمن السيبراني في دعم التقدم بمجالات المناخ والمساواة والابتكار.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة الأمن السيبراني العالمية Group-IB، التي ساعدت في عام 2024 جهات إنفاذ القانون على تعطيل أكثر من 207 آلاف جهاز مصاب ومنع مجرمي الإنترنت من استخدامها، ما أسفر عن اعتقال 1,221 شخصًا، وحماية 65 مليون شخص من الاحتيال، وتجنب خسائر مالية تجاوزت 2.7 مليار دولار.

أثر بيئي مباشر

لا تقتصر فوائد تعطيل شبكات البوت نت على الحد من التهديدات السيبرانية، بل تشمل أيضًا آثارًا بيئية ملموسة. فقد أدى إيقاف هذه الشبكات إلى توفير ما يقدر بـ 22.4 مليون كيلوواط/ساعة من الكهرباء، ومنع انبعاث 10,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل كمية الكربون التي تمتصها 48,000 شتلة شجرة خلال عقد من الزمن.

تضم هذه الشبكات ملايين الأجهزة المخترقة، بما في ذلك الحواسيب والخوادم وأجهزة إنترنت الأشياء، التي تُسخّر لتنفيذ أنشطة ضارة مثل حملات البريد العشوائي، وهجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS)، وتعدين العملات المشفرة.

وفيما يتعلق بذلك، أوضحت نائبة الرئيس التنفيذي في Group-IB، أناستازيا كوميساروفا، أن هذه الأجهزة تُجبر على العمل بأحمال مرتفعة على مدار الساعة، مما يرفع استهلاك الكهرباء بشكل كبير.

وأشارت كوميساروفا إلى أن تعطيل شبكات البوت نت يعيد الأجهزة إلى حالتها الطبيعية منخفضة الاستهلاك، ما يقلل بشكل كبير من الطاقة المهدورة.

من ناحيته، أكد باحث أمن الذكاء الصناعي في جامعة نيويورك، شوجات ميرزا، أن هذه الأنشطة، إلى جانب برامج الفدية والبرمجيات الضارة، تؤدي إلى هدر موارد الطاقة، وزيادة الانبعاثات الكربونية بسبب اعتماد الشركات على نسخ احتياطية متعددة وتكرار العمليات.

ترابط عميق بين الأمن السيبراني والاستدامة

صرّح مسؤول الأمن السيبراني والثقة الرقمية في PwC الشرق الأوسط، سامر عمر، لفوربس الشرق الأوسط، أن الأمن السيبراني والاستدامة أصبحا مترابطين بشكل وثيق، ولم يعودا أولويات منفصلة. وأوضح أن التحول نحو الحوسبة السحابية، والذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء، يوسع في الوقت نفسه من مساحة التعرض للهجمات.

وأشار عمر إلى أن اختراقًا واحدًا قد يعرض البيانات والبنية التحتية الحيوية وسلاسل التوريد والخدمات العامة للخطر، مما يهدد استمرارية الأعمال، وحماية البيئة، والثقة المجتمعية. كما شدد على أن البنية التحتية الرقمية تمثل العمود الفقري لكل عمل وخدمة تقريبًا، وأن أي خلل أمني قد يتسبب بخسائر مالية وبيئية وضرر بالسمعة.

كما أضاف: “في عالمنا اليوم، تُعدّ الثقة الرقمية أساس الثقة. عندما نؤمّن أنظمة الرعاية الصحية، وشبكات الكهرباء، والمنصات المالية، والبنية التحتية لتقارير الكربون، فإننا نحمي الأرواح وسبل العيش والأجيال القادمة”.

وأكدت كوميساروفا أن النظر إلى الأمن السيبراني كمحفز للاستدامة، لا كمجرد تكلفة، يعد أمرًا جوهريًا. وحذرت من أن التعامل معه كنفقات روتينية فقط يؤدي إلى خسائر فادحة وضرر دائم بالسمعة.

الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية

تشجع أطر الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية المؤسسات على معالجة قضايا الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية بجانب الأولويات البيئية، حيث يلعب الأمن السيبراني دورًا أساسيًا في دعم الاستدامة عبر جميع ركائزها.

وشددت كوميساروفا على ضرورة تثقيف القيادات ومجالس الإدارة حول أهميته، ودمج مقاييس مثل معدل تكرار الاختراقات ومستوى الجاهزية للاستجابة للحوادث في أطر الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، بما يعكس تقدمًا ملموسًا نحو عمليات أكثر أمانًا واستدامة.

اتساع فجوات الأمن السيبراني

وفق تقرير “توقعات الأمن السيبراني العالمي 2025″، ارتفعت نسبة المؤسسات الصغيرة التي ترى مرونتها السيبرانية غير كافية إلى 35%، بزيادة سبعة أضعاف منذ عام 2022، في حين حققت المؤسسات الكبرى تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال.

ويواجه القطاع العام تحديات أكبر، حيث أفاد 38% من مؤسساته بضعف المرونة، مقارنة بـ 10% في القطاع الخاص، إضافة إلى أن 49% منها تعاني نقصًا في الكفاءات المؤهلة، بزيادة قدرها 33% عن عام 2024. كما تشكل مخاطر سلسلة التوريد تحديًا رئيسيًا لـ 54% من الشركات الكبيرة، وسط تعقيدات تشمل محدودية الاطلاع على معايير الأمن لدى الأطراف الخارجية، والثغرات الناتجة عن البرامج الخارجية، واحتمالية انتشار الهجمات عبر الأنظمة البيئية المترابطة.

وتؤثر التوترات الجيوسياسية أيضًا على هذا المشهد، حيث أبلغت نحو 60% من المؤسسات أنها غيّرت استراتيجياتها السيبرانية نتيجة لهذه التطورات.

تتبع التقدم المحرز في الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية

اقترح عمر اعتماد مؤشرات أداء رئيسية لقياس التقدم، منها نسبة البنية التحتية الحيوية المغطاة بتقييمات المرونة، وانخفاض وقت تعطل الأنظمة والانبعاثات الناتجة بعد الحوادث، ومواءمة عمليات الأمن السيبراني مع معايير تكنولوجيا المعلومات الخضراء.

كما تشمل المقاييس المهمة تواتر وخطورة الحوادث السيبرانية المتعلقة بالبيئة والمجتمع والحوكمة، والامتثال لقواعد حماية البيانات، وإدراج الإفصاحات عن المخاطر السيبرانية في تقارير الاستدامة. وأكد عمر على أهمية الشفافية، ودعا المؤسسات لإدراج مقاييس الأمن السيبراني ضمن أطر إعداد التقارير الدولية مثل GRI وSASB وCSRD.

وأشارت كوميساروفا إلى أن تقرير الاستدامة الأخير لـ Group-IB يقيس التقدم عبر مؤشرات واضحة تشمل استهلاك الطاقة، والانبعاثات، والوقاية من الجرائم الإلكترونية للركيزة البيئية؛ والتنوع، والتدريب، والتوظيف للركيزة الاجتماعية؛ والأخلاقيات، ومكافحة الفساد، ومسؤولية المنتج للحوكمة، مما يربط الأمن السيبراني مباشرة بنتائج استدامة قابلة للقياس.

المصدر : فوربس الشرق الاوسط (ترجمة: هدير عاطف)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى