مقالات

خبير الذكاء الإصطناعي والتحول الرقمي المهندس هاني البطش يكتب لـ ” رقمنة” : نحو السيادة الرقمي ….. ومأزق الطاقة في الأردن

رقمنة

م. هاني البطش

تشهد كبرى الدول الصناعية والاقتصادات الناشئة في العالم سباقًا محمومًا نحو الاستثمار في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة الكمية، وتقنيات البلوكشين، والتخزين السحابي، وغيرها من المجالات التي أصبحت اليوم تمثل عماد الاقتصاد الرقمي العالمي.

لقد تغيّر المشهد الاقتصادي بشكل جذري؛ حيث تصدّرت الشركات التكنولوجية قائمة أكبر الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية، رغم أنها لا تمتلك أصولًا مادية ضخمة مقارنة بشركات تقليدية في قطاعات الطيران أو الطاقة أو الصناعة الثقيلة. فعلى سبيل المثال، شركات مثل Apple وMicrosoft وNVIDIA وAmazon تتجاوز قيمتها السوقية عدة تريليونات من الدولارات، بينما شركات تمتلك أصولًا فعلية في أكثر من 100 دولة، كخطوط الطيران أو شركات النفط، لا تتجاوز قيمتها السوقية بضع مليارات، وأرباحها هامشية مقارنة بتلك الشركات التقنية.

ما تشهده الساحة الدولية اليوم ليس صراعًا اقتصاديًا تقليديًا، بل صراع سيادة رقمية، حيث تتنافس قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين لبسط نفوذها على سلاسل التوريد التكنولوجية، والبنى التحتية للذكاء الاصطناعي، وسوق المعالجات المتقدمة، ومراكز البيانات العملاقة.

 

معوقات التحول في الدول النامية: الطاقة أولًا

رغم أن العديد من الدول في المنطقة، مثل دول الخليج، بدأت تستثمر بجرأة في مشاريع الذكاء الاصطناعي والبنى التحتية الرقمية، إلا أن معوقات كبيرة ما زالت تعترض طريق دول أخرى مثل الأردن، وعلى رأسها ارتفاع كلف الطاقة الصناعية، مما يجعل بيئة الأعمال غير جاذبة للاستثمار التكنولوجي الخارجي، ويعيق قدرة الشركات المحلية على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.

 

مقارنة كلف الطاقة الصناعية (سعر الكيلو واط ساعة للقطاع الصناعي):

الدولةمتوسط السعر الصناعي (بالدولار الأمريكي)
الأردن0.12 – 0.095
مصر0.07 – 0.05
السعودية0.04 – 0.03
الإمارات0.06 – 0.04
الولايات المتحدة0.08 – 0.06
الصين0.09 – 0.07

 

الملاحظة الجوهرية أن الأردن يقدم بيئة تعليمية وخبرات بشرية متميزة في مجالات البرمجة والهندسة والتكنولوجيا، لكن بيئة التشغيل الطاقي ترفع كلف التشغيل إلى مستويات غير تنافسية، مقارنة بدول تمنح الطاقة بأسعار تفضيلية للمشاريع التقنية والصناعية.

 

لماذا تُعد الطاقة مفتاحًا للسيادة التكنولوجية؟

الصناعات التقنية تحتاج إلى بيئة تشغيل منخفضة التكاليف، خاصة في مشاريع مثل:

  • مراكز البيانات الضخمة (Data Centers)
  • تصنيع الشرائح والمعالجات
  • مصانع الروبوتات وأجهزة الاستشعار
  • تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي عالية القدرة
  • تطوير تطبيقات الإنترنت الصناعي (IIoT)

إن الطاقة الكهربائية هي العنصر الأكثر كلفة في تشغيل هذه المرافق، وقد أصبحت اليوم من العناصر الحاسمة في تحديد موقع الاستثمار.

 

الطريق إلى الأمام: ما المطلوب من الأردن؟

  1. إعادة تسعير الطاقة للمشاريع الاستراتيجية: يجب تقديم أسعار مدعومة أو مخصصة للمشاريع التقنية التي تُسهم في تنويع الاقتصاد وزيادة الصادرات التقنية.
  2. الاستثمار في الطاقة المخصصة للقطاع التقني: يمكن إنشاء مناطق صناعية رقمية تعتمد على الطاقة النووية السلمية (كونها مستقرة) أو حلول أخرى يمكن ان لا تلبي احتياجات تلك الصناعات من استهلاك الطاقة مثل الطاقة الشمسية أو الهيدروجين الأخضر أو الرياح، وتوفيرها بأسعار ثابتة طويلة الأمد.
  3. إصدار تشريعات لتحفيز بناء مراكز بيانات محلية: تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات تنظيمية للشركات التي ترغب بإنشاء بنية تحتية سحابية محلية.
  4. بناء تحالفات إقليمية في الطاقة والتقنية: التعاون مع دول الخليج ومصر لإنشاء بوابات تصدير معرفي وتقني، تستفيد من انخفاض كلف الطاقة هناك وارتفاع جودة الكفاءات الأردنية.

إذا أردنا أن نكون جزءًا من الاقتصاد العالمي الجديد، فيجب علينا أن نخوض معركة السيادة الرقمية بجرأة. وهذه المعركة لا تبدأ من وادي السيليكون، بل من إعادة تسعير الطاقة، وتهيئة بيئة تشغيلية جاذبة، وتحويل الموهبة الأردنية إلى قيمة مضافة في الأسواق العالمية. الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية وأمنية. والطاقة هي شرط النجاح الأول.

*خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى