
رقمنة
*علاء نشيوات
عندما نقرأ عن الشمول المالي، غالبًا ما نصطدم بإحصائيات منها مثلا أن “43% من البالغين يمتلكون حسابًا”، أو “22% فجوة بين الجنسين”، أو “75% هو الهدف بحلول 2028” ، هذه الأرقام مهمة، لكنها لا تكشف شيئًا عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه الناس.
دعونا نطرح السؤال بطريقة مختلفة، هل مجرد امتلاك حساب في بنك أو محفظة في تطبيق هو ما يصنع الفرق في حياة الناس؟
الإجابة القصيرة على ذلك: لا، لأنه من الممكن أن الحساب موجود، لكن أين الفائدة؟
في السنوات الأخيرة، قام القطاع الخاص وبعض الجهات الحكومية بجهود كبيرة لنشر الخدمات المالية الرقمية، وأصبحت المحافظ الإلكترونية متاحة على الهواتف المحمولة، كما أصبحت المصارف أكثر استعدادًا لقبول العملاء بسرعة، ولكن ما زال الكثير من المستخدمين يجدون فيها قيمة حقيقية، لكنها خدمات قليلة، ولم تتعد الخدمات الأساسية.
وكذلك إذا لم يجد المستخدم فائدة مباشرة من الحساب المالي، فسيبقى الحساب مجرد رقم خامد في الإحصائيات.
من يستخدم؟ ومن يمتنع؟
من الملاحظ أن هناك ثلاثة أنماط سلوكية نراها بوضوح في السوق الأردني هي المستخدم النشط وهم عادة من فئة الشباب المتمرسين في استخدام التقنية، الذين يتعاملون بمرونة مع المحافظ والتطبيقات المالية، وهناك المستخدم المتردد، وهم من فتحوا الحسابات لأسباب معينة مثل الدعم الحكومي أو تحويل راتب وغيرها، لكنهم لا يستخدمونها فعليًا لأنهم يعتبرونها أداة لتحويل النقود؛ وبالتالي يسحبون النقود الإلكترونية على شكل أوراق نقدية لاستخدامها، وأخيرا الرافض الصامت وهم من لا يثقون بالخدمة أساسًا، بسبب ضعف المعرفة أو الخوف من التقنية أو حتى بسبب معتقدات قديمة مثل أن “المال يجب أن يبقى في اليد”، وفي الواقع فإن كل فئة من هؤلاء تحتاج إلى نهج مختلف، ولا يمكننا مخاطبة الجميع بالرسالة نفسها .
القيمة المضافة: قلب الشمول المالي الحقيقي
ولكي تصبح الخدمات المالية الرقمية جزءًا من حياة الناس، يجب أن تقدم لهم ما يحتاجونه فعليًا، ومنها خدمات ادخار تلقائية، وتنبيهات ذكية، وأدوات لتقسيم الراتب، وخدمات طوارئ رقمية، ومحتوى تثقيفي مدمج في التطبيق ، وهذه الخدمات ليست “ميزات إضافية”، بل هي من صلب ما يجعل الخدمات المالية ذات معنى .
الثقة أهم من التقنية
لا نبالغ إذا قلنا إن بناء الثقة أهم من تطوير التقنية ، وكثيرون لا يستخدمون الخدمات؛ لأنهم ببساطة لا يثقون بأنها ستخدمهم في وقت الحاجة، أو يخشون من فقدان أموالهم، أو لا يفهمون الشروط والمخاطر.
ولكي نُحقق شمولًا ماليًا حقيقيًا، فإننا نحتاج إلى خدمات مالية حقيقية وسهلة الاستخدام، وأن يكون هناك وضوح كامل في الشروط والرسوم، وإلى حماية حقيقية للبيانات والمعلومات الشخصية، وإلى سهولة الوصول للدعم البشري عند الحاجة، إضافة إلى إشراك المجتمعات في تصميم وتطوير الحلول.
من جانب آخر، فإن هناك حاجة دائمة لأن يواكب الإطار التشريعي هذا التطور، ولا تزال بعض الإجراءات بطيئة أو غير ملائمة لواقع الاقتصاد الرقمي، مثل تعقيد الحصول على التمويل الصغير، أو غياب الحوافز لاستخدام الخدمات الرسمية عوضا عن الكاش.
وعلى مستوى السياسات، هناك فرصة لإعادة تعريف “الشمول المالي” بحيث لا يكون الهدف هو فتح الحسابات فقط، بل دعم الاستخدام الفعّال الذي ينعكس على حياة الفرد.
ختاما فان ما نحتاجه ليس فقط تطبيقات مالية جديدة، بل عقلية جديدة في تصميم هذه التطبيقات ، تبدأ من كيفية مساعدة المستخدم في تحسين وضعه المالي، خطوة بخطوة ، مع معرفة ان الشمول المالي ليس منتجًا بل هو رحلة تبدأ من الفهم، وتستمر بالقيمة، وتنمو بالثقة.
*الرئيس التنفيذي لشركة ” UWallet “