شهادة على متانة البيئة المصرفية
رقمنة
اندماج البنوك ليس مجرد خطوة مالية أو قرار إداري، بل هو انعكاس مباشر لبيئة مصرفية أرساها البنك المركزي الأردني بسياسة نقدية حصيفة ورؤية إستراتيجية عميقة، ففي أي اقتصاد، لا يمكن لعمليات الاندماج الكبرى أن تتم أو تنجح إلا إذا كانت الأرضية التنظيمية والرقابية متينة، والبيئة الاقتصادية داعمة، وهذا ما يتوافر بوضوح في الأردن اليوم.
صفقة اندماج بنك الاتحاد مع البنك الاستثماري مثال حي على هذه البيئة المتماسكة، فالاندماج الذي سينتج عنه كيان مصرفي يتجاوز رأس ماله 325 مليون دينار، وبحقوق ملكية تقارب مليار دينار، وأصول مجمعة تقارب 11 مليار دينار، لم يكن ليحدث لولا وجود مناخ مصرفي منظم ومدفوع برؤية اقتصادية طويلة الأجل.
البنك المركزي لم يكن فقط مراقبًا لهذه العملية، بل كان حاضنًا لها بتوجهاته التي تشجع على توحيد الجهود المصرفية ورفع الكفاءة التشغيلية عبر كيانات مصرفية أكبر وأكثر مرونة، بما يعزز مناعة القطاع في مواجهة الأزمات ويزيد من جاهزيته للتوسع والتطور.
ولم يكن هذا الاندماج الأول- في ظل السياسة الحالية للبنك المركزي- بل سبقه استحواذ مجموعة كابيتال بنك على الأعمال المصرفية لبنك عودة في الأردن والعراق، واستحوذ أيضا كابيتال بنك على بنك سوسيتيه جنرال الأردن، كما استحوذ بنك الاستثمار العربي الأردني على الأعمال المصرفية لبنك ستاندرد تشارترد في الأردن وعلى بنك أتش.أس.بي.سي الأردن، بالإضافة إلى استحواذه على بنك الكويت الوطني في الأردن.
رؤية التحديث الاقتصادي، التي تمثل الإطار المرجعي الشامل لمسار الإصلاح الوطني في الأردن، لا تعد مجرد وثيقة توجيهية، بل أصبحت أرضية عمل وانعكست نتائجها فعليًا في الميدان، فهذا الاندماج المصرفي لا يُفهم فقط كتحرك تجاري، بل كجزء من مشروع تحديث شامل يمس المسارات السياسية والإدارية والاقتصادية معًا، ويهدف إلى بناء مؤسسات قادرة على الابتكار والاستدامة، والتعامل مع التحديات بروح إستراتيجية بعيدة المدى.
إننا أمام مشهد مالي يتكامل مع أهداف وطنية كبرى لا تُختزل في النمو الرقمي فقط، بل تمتد إلى تعميق الشمول المالي، وتحفيز الاستثمارات، وخلق فرص جديدة للقطاع الخاص.
المصرف الناتج عن هذا الاندماج سيتمكن من تقديم خدمات مالية أكثر تنوعًا وشمولًا، والوصول إلى شرائح جديدة من العملاء، وتوسيع انتشاره الجغرافي داخل الأردن وخارجه، وهذا التوسع لا يخدم فقط أهداف البنك التجارية، بل يعزز من قدرة النظام المصرفي على تمويل النشاط الاقتصادي وتحقيق الشمول المالي، وهو ما يمثل أحد أبرز مستهدفات البنك المركزي في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية التي تتطلب جهوزية مصرفية عالية.
السياسة النقدية التي يؤكد عليها محافظ البنك المركزي، الدكتور عادل شركس، تعزز الثقة في النظام المصرفي، إذ إن انخفاض معدلات التضخم والدولرة، وارتفاع الاحتياطات الأجنبية إلى أكثر من 21 مليار دولار، كلها مؤشرات على أن الأرضية صلبة، وأن السياسات مدروسة وفعالة.
ولا يمكن تجاهل البُعد التوظيفي في هذه العملية، فإعلان الحفاظ على الكوادر البشرية في كلا البنكين يؤكد أن الاندماج لا يعني التخلي عن العاملين، بل قد يكون فرصة لإعادة توزيع الطاقات وتحقيق كفاءة أكبر دون التضحية بالموارد البشرية التي تمثل جوهر أي مؤسسة ناجحة، فهذا الالتزام يعزز مناخ الاستقرار المؤسسي، ويضمن انتقالًا سلسًا نحو الهيكل الجديد دون اضطرابات داخلية.
في النهاية، اندماج البنوك الأردنية اليوم هو شهادة على متانة البيئة المصرفية، ونتاج لسياسات نقدية واضحة، ورؤية إصلاحية شاملة، إذ إنه ليس مجرد انتقال ملكية أو إعادة هيكلة إدارية، بل خطوة إستراتيجية في طريق مرسوم بدقة نحو اقتصاد أردني أقوى، أكثر مرونة، وأكثر قدرة على المنافسة والنمو في عالم لا يتوقف عن التغيير.
الغد – سلامة الدرعاوي
التعليقات مغلقة.