رقمنة
الغد
دزحمزة العكاليك
مهّد تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير لنمو الجريمة المالية الإلكترونية. فقد تحولت هذه المنصات، التي كانت تُعد في السابق أدوات للاتصال والتواصل المجتمعي، إلى ساحات معركة في الحرب ضد الجريمة المالية. ووجد مجرمو غسيل الأموال والذي هو ممارسة كانت ترتبط في السابق بالأشخاص ذوي التاريخ الجرمي والمعاملات المالية المعقدة موطنا جديدا في العالم الرقمي، مستغلين قوة وسائل التواصل الاجتماعي لإخفاء أثرهم الجرمي.
أحد الأساليب الرئيسة التي يستخدمها هؤلاء المجرمون الرقميون هو إنشاء حسابات وهمية للترويج للمخططات الاحتيالية التي تعد بثروات سريعة. وتستهدف هذه المخططات غالبا الأفراد الشباب القابلين للتأثر، وتغريهم بالعمل كـ “جامعي أموال”، حيث يقومون بتحويل الأموال غير المشروعة نيابة عن المجرمين. فتقنيات الإخفاء التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي يجعل من الصعب للغاية تتبع هذه المعاملات وتحديد الجناة.
كما أصبحت صناعة الألعاب، بعملاتها الافتراضية وأسواقها عبر الإنترنت، هدفا لغسيل الأموال. وتوفر هذه المنصات طريقة ملائمة لتحويل الأموال غير المشروعة إلى أصول مشروعة، مما يجعل من الصعب على السلطات تتبع أصولها. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثريوم لشراء السلع والخدمات بشكل مجهول، بينما يمكن استخدام الأسواق عبر الإنترنت(التسويق عبر موقع البيع على وسائل التواصل الاجتماعي) لبيع السلع المسروقة أو غسيل الأموال من خلال معاملات معقدة.
كما تتيح تطبيقات المراسلة، مثل واتساب وتليغرام وسجنال، مع قدرات التشفير من طرف إلى طرف، للمجرمين قناة آمنة للتواصل وتحويل الأموال دون ترك أي أثر رقمي. وهذا يجعل من الصعب على أجهزة إنفاذ القانون مراقبة الأنشطة غير المشروعة والتنصت عليها؛ فكلما تطورت تقنيات التشفير زاد ذلك صعوبة على السلطات الرسمة ملاحقة المجرمين وسهل عليهم أي غاسلي الأموال تنفيذ مآربهم.
ولمواجهة هذا التهديد المتزايد، يلزم اتباع نهج متعدد الأوجه. فيجب على سلطات تنفيذ القانون أن تسبق التهديد من خلال الاستثمار في التقنيات المتقدمة وتدريب موظفيها على اكتشاف التحقيق في الجرائم الإلكترونية. كما أن التعاون الدولي أمر بالغ الأهمية لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود لتفكيك الشبكات الإجرامية.
كما تلعب المؤسسات المالية دورا مهما في منع غسيل الأموال. فيجب عليها امتلاك أنظمة قوية للتحقق من الهوية، وتعزيز قدرات المراقبة، والتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون لتبادل المعلومات. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليها تثقيف مستخدميها بشأن مخاطر عمليات الاحتيال القائمة على وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية حماية أنفسهم؛ وهنا لابد من الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها البنوك والمؤسسات المالية الأردنية في هذا السياق.
ويمكن أن تساعد حملات التوعية العامة أيضا في تثقيف الأفراد حول مخاطر عمليات الاحتيال القائمة على وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية تجنب الوقوع ضحية لهذه الجرائم. فمن خلال التعرف على علامات التحذير وتجنب العروض المشبوهة، مما يمّكن الناس من تقليل تعرضهم لهذه الأنشطة غير المشروعة.
كما يجب على الأفراد لحماية أنفسهم توخي الحذر بشأن قبول طلبات الصداقة من الغرباء، وتجنب النقر على الروابط المشبوهة، والحذر من العروض التي تبدو مغرية جدا لدرجة يصعب تصديقها. ويجب على الشركات تنفيذ تدابير قوية لمكافحة غسيل الأموال، مثل العناية الواجبة بالعملاء ومراقبة المعاملات. ويجب عليهم أيضا تثقيف موظفيهم حول مخاطر الجريمة الإلكترونية وكيفية تحديد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها.
ولا بد من الاشارة إلى إن السلطات الأردنية تعمل بنشاط لتعزيز قدراتها في مكافحة غسيل الأموال الإلكتروني. وتتمثل إحدى الإستراتيجيات الرئيسة المطلوبة من البنك المركزي في تنفيذ لوائح أكثر صرامة من خلال البنوك والمؤسسات المالية. حيث تفرض هذه اللوائح إجراءات تعزيز هوية العملاء، وتفاصيل حفظ السجلات، وتعيين موظفي الامتثال المتخصصين، والإبلاغ الفوري عن المعاملات المشبوهة.
ولضمان المكافحة الفعاله لجرائم غسيل الأموال، لا بد من التركيز القوي على التعاون بين السلطة التشريعية والبنوك. كما تعمل الهيئات التنظيمية بنشاط على توفير إرشادات واضحة لتسهيل الامتثال وتفعيل كيانات الرقابة تحت إشراف البنك المركزي. فمن خلال تعزيز دور الإشراف للبنك المركزي وتحسين التنسيق مع البنوك الأجنبية، يمكن لسلطات تنفيذ القانون تعزيز قدرتها على اكتشاف ومنع غسيل الأموال الإلكتروني.
أحد التحديات المهمة التي تواجهها السلطات الأردنية هو ظهور غسيل الأموال السيبراني، الذي يستغل الطبيعة اللامركزية للإنترنت لتحويل الأموال بشكل مجهول. هذا يجعل من الصعب تتبع تدفق الأموال ويعوق جهود تنفيذ القانون. ولمعالجة هذا التحدي، تستكشف السلطات التقنيات المبتكرة والتعاون الدولي لتعزيز قدراتها التحقيقية. ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أدوات قوية في اكتشاف ومنع غسيل الأموال، لكن استخدامها الفعال يتطلب استثمارات كبيرة وخبرات كبيرة.
كما أنه من المسؤولية الاجتماعية للمنصات الالتزام التنظيمي ودمج أنظمة التحقق من الهوية الصارمة جنبا إلى جنب مع خدمات الفحص الآلي لمكافحة غسيل الأموال بحيث يمكن اكتشاف مجرمي غسيل الأموال ومكافحة نشاطهم في النظام الرقمي.
في النهاية، يعتمد مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي والجريمة المالية على الجهود الجماعية للحكومات والشركات والأفراد. فمن خلال العمل معا، يمكن خلق بيئة رقمية أكثر أمانا وأمنا.
التعليقات مغلقة.