مقالات

مستشار الإعلام الرقمي إبراهيم الهندي يكتب لـ ” رقمنة” : الإعلام الرقمي في عصر الذكاء الاصطناعي…. فرصة أم تهديد؟

رقمنة 

*ابراهيم الهندي 

التحول الهائل الذي يشهده العالم الإعلامي اليوم لم يعد طبيعيًا ولا يمكن اللحاق به بسهولة، فالأخبار تُنتج بسرعة غير مسبوقة، والمحتوى الإبداعي بدأ يرتقي إلى مستويات جديدة من الجودة، وكأننا نعيش عصرًا يكتب فصوله الذكاء الاصطناعي بخيال يفوق التوقعات.

نحن أمام لحظة مفصلية يتقاطع فيها الإبداع الإنساني مع التقنية الذكية، لحظة تُعيد طرح السؤال الأهم:
هل الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لتجديد الإعلام أم تهديدًا لجوهره الإنساني؟

الذكاء الاصطناعي.. هل هو شريك استراتيجي؟

في مشهد الإعلام الحديث، من القنوات الفضائية إلى صُنّاع المحتوى على يوتيوب والمنصات الرقمية، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة خلف الكواليس، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا في كل مراحل إنتاج المحتوى، من التخطيط والتحرير إلى النشر والتحليل وقياس التأثير.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لإعادة تعريف المهنة، فهو قادر على تحرير الصحفيين وصنّاع المحتوى والعاملين في الاتصال المؤسسي من المهام المكرّرة والمستهلكة للوقت، ليمنحهم مساحة أوسع للبحث، والتحليل، والإبداع، ومن خلال أدوات التحليل المتقدمة، يمكن اليوم معالجة كمٍّ هائل من البيانات في ثوانٍ معدودة، ورصد الاتجاهات العامة، وتقديم رؤى تساعد المحررين وصنّاع القرار في بناء محتوى أكثر عمقًا ودقة. هذه الأدوات لم تغيّر فقط أسلوب العمل، بل غيّرت دور الصحفي نفسه، من ناقل للخبر إلى مدير معرفة وصانع معنى.

لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل الوجه الآخر لهذه الثورة. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي يُستخدم أيضًا لإنتاج محتوى زائف وصور وفيديوهات مُفبركة بإتقانٍ يصعب اكتشافه. لم يعد التزييف بحاجة إلى مهارات معقدة، بل إلى بضعة أوامر رقمية. وهنا تكمن الخطورة، إذ يمكن أن يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة تطوير إلى آلة تضليل ضخمة، إذا غابت المعايير الأخلاقية والرقابة المهنية. لذلك، أصبحت الحاجة ملحة لوضع أطر واضحة تضمن استخدام هذه التقنيات في خدمة الحقيقة لا تشويهها.

ورغم التحديات، يبدو أن الذكاء الاصطناعي يُعيد توجيه البوصلة المهنية للإعلام نحو جوهره الأصلي: بناء الثقة. فالمؤسسات الإعلامية التي ستبقى في المستقبل ليست الأسرع في النشر، بل الأكثر شفافية ومصداقية. الصحفي القادم سيُقاس بأمانته الفكرية لا بعدد متابعيه، وبقدرته على تفسير الحقيقة لا تكرارها. الذكاء الاصطناعي لن يُقصي الإنسان، لكنه سيجبره على أن يكون أكثر إنسانية وعمقًا وتأثيرًا، لأن القيمة المضافة لم تعد في نقل المعلومة فحسب، بل في تقديم المعنى وراءها.

هل هي معركة بين الإنسان والآلة؟

الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي ليس معركة بين الإنسان والآلة، بل شراكة بين الوعي والإتقان، القوة الحقيقية اليوم تكمن في من يعرف كيف يوظف الذكاء الاصطناعي بالشكل الصحيح لخدمة الإعلام والاتصال، دون أن يسمح له بأن يبتلع روح المهنة. فالقوي هو من يستخدم السرعة دون أن يفرّط بالمصداقية، ويستثمر التقنية لتطوير المحتوى لا لتزييفه. الإعلاميون الذين سيتقدمون في هذا العصر هم من يتقنون اللغة الجديدة — لغة البيانات، التحليل، والإبداع القيمي.

 

خطوة عملية لرواد قطاع الإعلام

إذا كنت تعمل في الإعلام أو التسويق أو صناعة المحتوى، فابدأ بمراجعة أدواتك الحالية واسأل نفسك: هل أستخدم الذكاء الاصطناعي لرفع جودة ما أقدمه أم فقط لتقليل الجهد؟ هل أعرف مصدر البيانات التي أعتمد عليها؟ وهل ما زلت أمتلك بصمتي الخاصة وسط ضجيج الخوارزميات؟
ابدأ هذا الأسبوع بتجربة أداة واحدة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي، ولكن اجعل هدفك منها أن تُعمّق الفكرة لا أن تستبدلها، وأن تجعل التقنية امتدادًا لعقلك لا بديلًا عنه.

الخاتمة

الذكاء الاصطناعي لن يسرق دور الإنسان في الإعلام أو الاتصال، لكنه سيفتح أمامه آفاقًا أوسع للإبداع والإنتاجية، المستقبل سيكون لمن يتقن دمج التقنية بالوعي، ويستخدمها لتسريع العمل دون أن يفقد روح المهنة، وفي النهاية، تبقى الإنسانية هي جوهر كل رسالة إعلامية ناجحة.

*مستشار في الاعلام الرقمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى