مقالات

مستشار الإعلام الرقمي إبراهيم الهندي يكتب لـ ” رقمنة” … المشتتات في العصر الرقمي: تحديات التركيز في عالم متصل

رقمنة 

*ابرهيم الهندي

التطور السريع في العالم الرقمي أصبح خانقاً ومرهقاً، نعم وبكل صراحة فمنذ يومين تقريبا أنهيت قراءتي لكتاب “كيف تقطع علاقتك بهاتفك؟”، حيث أنني بدأت غير قادر على على التركيز وسط هذا الكم الهائل من المعلومات والإشعارات التي تصلني يومياً، نعم لقد باتت من التحديات اليومية التي تواجهني، وأنا كشخص أعتبر العالم الرقمي هو جزء من روتين عملي اليومي، أصبح لدي اهتمام كبير بالبحث في موضوع إدارة الانتباه، وكيف يمكنني أن أحافظ على تركيزي وإنتاجيتي في عالم مليء بالمشتتات؟

واقع نعيشه اليوم

اليوم موضوعنا عن المشتتات الرقمية، وهي تحدٍ حقيقي يواجه كل واحد منا في عمله وحياته الشخصية، وتُحدث تأثيرًا كبيرًا على الشركات والأفراد، فتخيل معي أن تكون محاطًا بعشرات الإشعارات يوميًا، وتطبيقات مصممة خصيصًا لسرقة انتباهك، ودوامة لا تنتهي من المحتوى الرقمي، وهذا ليس خيالًا، بل واقع نعيشه جميعًا اليوم.

ما هي المشتتات الرقمية؟

يمكن تعريف المشتتات الرقمية بأنها كل ما يقطع تدفق أفكارنا ويشتت انتباهنا عن المهام المهمة، من الإشعارات المستمرة للهواتف الذكية، إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تستدرجنا نحو تصفح لا ينتهي، أو حتى تعدد المهام الذي نظن أنه يزيد إنتاجيتنا.

وعلى عكس ما قد نعتقد، فإن هذه المشتتات مصممة بعناية فائقة لتحفيز الدوبامين في أدمغتنا، مما يجعلها تفهم نقاط ضعفنا، وتتكيف مع أنماط سلوكنا وتقدم محتوى يجعل من الصعب مقاومة الرغبة في التحقق المستمر.

لماذا تعتبر مشكلة حقيقية؟

هناك تحديات متزايدة تواجه الأفراد والمؤسسات لتحقيق التركيز والإنتاجية الحقيقية، والأبحاث الحديثة تؤكد خطورة الوضع، ففي دراسة حديثة من جامعة كاليفورنيا وجدت أن الطلاب يتشتتون خلال 20% من وقت المحاضرات، وهذا الرقم يعكس حجم المشكلة التي نواجهها اليوم.

تعمل المشتتات الرقمية على خلق العديد من المشكلات.. تتمثل في تقليل جودة العمل من خلال التنقل المستمر بين المهام الذي يزيد الأخطاء ويقلل الإبداع، وإضعاف العلاقات الإنسانية من خلال تفضيل التفاعل مع الشاشات على التواصل الحقيقي مع الآخرين، وزيادة مستويات التوتر من خلال الشعور المستمر بضرورة التحقق من الرسائل والإشعارات، إضافة إلى تآكل القدرة على التركيز العميق الذي نحتاجه للعمل الإبداعي والاستراتيجي.

التأثير على مجالات متعددة

تؤثر المشتتات الرقمية بطرق مختلفة على العديد من جوانب حياتنا منها.. العمل؛ حيث تقلل من الإنتاجية وتزيد وقت إنجاز المهام، وتؤثر على جودة اتخاذ القرارات.

أما في التعليم، فالوضع مقلق جدا، ففي دراسة نشرتها جامعة Penn State بالتعاون مع Stanford وجدت أن الطلاب يستخدمون هواتفهم 228 مرة يومياً، هذا الاستخدام المفرط يقلل قدرتهم على الاستيعاب والتذكر والتركيز أثناء الدراسة.

كما تؤثر على العلاقات الاجتماعية من خلال تشتيت الانتباه أثناء المحادثات وتقليل التواصل العميق، وعلى الصحة النفسية من خلال زيادة القلق والتوتر، إضافة إلى تأثيرها على النوم من خلال التعرض للشاشات قبل النوم والتحقق الليلي من الهاتف.

هل الحل صعب برأيكم؟

الإجابة بالطبع لا، والوعي والممارسة ستساعدك على كيفية إدارة انتباهك بفعالية، حيث تبدأ عملية استعادة السيطرة على تركيزك بفهم نمط استخدامك للتقنية، وهناك العديد من الاستراتيجيات العملية في ذلك منها.. وضع حدود زمنية واضحة لاستخدام التطبيقات والشبكات الاجتماعية، وإيقاف الإشعارات غير الضرورية وتخصيص أوقات محددة للتحقق من الرسائل، واستخدام تقنيات التركيز مثل “تقنية الطماطم” للعمل المتواصل، إضافة إلى ممارسة التأمل والأنشطة التي تقوي الانتباه بشكل منتظم.

لماذا الآن؟

التطور الكبير في فهمنا لعلم الأعصاب، والأدوات المتاحة لمراقبة استخدام الأجهزة، أتاح للأفراد من جميع الأعمار إمكانية استعادة السيطرة على انتباههم، والميزة الحقيقية تكمن في توفر المعرفة والأدوات اللازمة، حيث لم تعد إدارة الانتباه مهارة نادرة أو معقدة.

والآن أصبح بإمكان أي شخص أن يطبق استراتيجيات فعالة لحماية تركيزه، وهذا يعني أن التحكم في المشتتات الرقمية لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل أصبح ضرورة أساسية للنجاح والصحة النفسية، وسواء كنت طالبًا يتطلع لتحسين أدائه الدراسي، أو موظفًا يسعى لزيادة إنتاجيته، أو ولي أمر يرغب في تنظيم استخدام العائلة للتقنية، فإن هذه الاستراتيجيات تقدم حلولًا مبتكرة تناسب كل احتياجاتك.

هل أنت مستعد لاستعادة تركيزك؟

إدارة المشتتات الرقمية ليست مجرد تغيير في بعض العادات اليومية، بل هي رحلة لإعادة اكتشاف ذاتك وإطلاق إمكاناتك الكاملة. الأمر لا يتعلق فقط بإيقاف الإشعارات أو إبعاد الهاتف قبل النوم، بل بقرار عميق أن تمنح نفسك المساحة التي تستحقها للتفكير، والإبداع، والعيش بوعي.

كل دقيقة تستعيدها من دوامة المشتتات هي استثمار في نفسك، في علاقاتك، وفي أحلامك. تخيّل كيف يمكن أن تتغير حياتك لو خصصت وقتًا أكثر للتركيز على مشروع تحبه، أو لحوار صادق مع شخص يهمك، أو حتى لحظة هدوء مع ذاتك بعيدًا عن ضوضاء الشاشات.

قد يبدو الأمر بسيطًا، لكنه في الحقيقة مفتاح لتحسين جودة حياتك وإنتاجيتك وسعادتك. والجميل أن البداية ليست معقدة: خطوة صغيرة اليوم مثل إيقاف إشعار واحد غير مهم، أو تحديد 30 دقيقة بلا هاتف قد تفتح لك بابًا لحرية ذهنية أوسع مما تتخيل.

* مستشار الإعلام الرقمي وبناء العلامة التجارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى