مقالات

مديرة مركز ” ورود الشمس للدمج الشامل” روان الخضر تكتب لـ ” رقمنة “: الريادة الرقمية الدامجة … كيف تكون التكنولوجيا جسرا للفرص؟

رقمنة

*الدكتورة روان الخضر

في كل مرة أشارك فيها في مؤتمر ، أو نقاش حول التكنولوجيا وريادة الأعمال، ينتابني نفس السؤال : أين مكان الفئات الأقل حظاً في هذه الصورة المبهرة التي نرسمها للمستقبل الرقمي؟

شاهدنا شابات يعملن من منازلهن في المفرق والبادية، وشاهدنا شبابًا من ذوي الإعاقة يملكون أفكارًا ريادية مذهلة. لكنهم غالبًا ما يقفون على الهامش، ليس بسبب نقص في الإمكانات، بل لأن الأدوات ليست مُهيأة، والبرامج ليست دامجة، والمسارات الرقمية ما تزال كعنق الزجاجة، ضيقة لا تتسع لتدفق الجميع.

في عالم متسارع ومتغير، لم يعد الحديث عن الدمج بابا من ابواب الرفاهية، وانما اصبح ضرورة اقتصادية وإنسانية.  ففي رحلتي البحثية خلال الأشهر الماضية، وبينما كنت أقرأ في آخر الدراسات الدولية التي تربط بين UDL والذكاء الاصطناعي، تكرر التأكيد على فكرة محورية واحدة  بأن التكنولوجيا يمكن أن تكون جسرًا يعبر به الجميع، أو قد تكون حاجزًا يقف أمامهم. والفارق الوحيد يكمن في طريقة تصميم هذا الجسر. وهنا تحديداً، تكمن قوة التصميم الشامل للتعلم (Universal Design for Learning – UDL).

من UDL إلى العالم الرقمي: تصميم الفرص لا الإقصاء

الUDL، بشكله التقليدي، فلسفة لتصميم بيئات التعلم لتستوعب التنوع البشري وهو تصميم استباقي وليس علاجي. وحين نربط هذا التصميم بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، هنا نؤكد على المبدأ: عندما نصمّم التكنولوجيا بعقلية دامجة من البداية، نفتح الباب لأشخاص لم يكن لهم باب أصلاً.

قصص الأفراد الذين نلتقي بهم يومياً في الأردن، والذين وردت أمثلة مشابهة لهم في تقرير (TeachAI, 2025)، ليست “احتياجات خاصة”، بل هي ببساطة أنماط تعلّم بشرية طبيعية مختلفة:

  • طالب يعتمد على الترجمة الفورية لفهم الشروحات المعقدة.
  • طالبة تحتاج إلى خطوات صغيرة وواضحة لكيلا تنسى التعليمات.
  • شاب من ذوي الإعاقة البصرية يعتمد على قارئ الشاشة.
  • وآخر يستخدم الأوامر الصوتية بدلاً من لوحة المفاتيح.

وظيفة UDL هي أن لا ننتظر ظهور المشكلة، بل أن نصمم البيئة الرقمية بحيث تستوعب الجميع منذ البداية. إن الذكاء الاصطناعي، المستخدم بوعي، ليس تهديداً للتعليم أو الاقتصاد، بل وسيط تمكين استثنائي:

  • تقديم تغذية راجعة (Feedback) فورية للمتعلمين.
  • تبسيط الأكواد أو المحتوى المعرفي.
  • ترجمة الشروحات لأكثر من لغة.
  • تحويل الكلام إلى نص، والنص إلى كلام.
  • تخفيف العبء المعرفي على الأفراد ذوي التشتت أو صعوبات التنظيم.

هذه الأدوات ليست تقنية فقط، بل في جوهرها قصص إنسانية جديدة لفرص كان يمكن أن تضيع .

الريادة الرقمية الدامجة: فلسفة إنسانية واقتصاد عادل

النظر إلى التكنولوجيا بعين UDL  يعني أن تدرك بأن:

  1. الوصول الإلكتروني (Digital Access) ليس مجرد توفير للإنترنت، بل هو حق أصيل في الفهم والمشاركة.
  2. الشمول الرقمي (Digital Inclusion) ليس دورة تدريبية عابرة، بل هو ثقافة تصميم متأصلة.
  3. الأدوات الذكية ليست “امتيازاً”، بل هي فرصة لإزالة الحواجز أمام المتعلمين والرياديين.

لذلك نحن نحاول أن نبرز مفهوم الريادة الرقمية الدامجة : استخدام التكنولوجيا ليس لنسبق الآخرين، بل لنعبر معهم. إنها الفلسفة التي تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة تمكين للنساء، للشباب في المحافظات، وللأشخاص ذوي الإعاقة، بدلاً من أن يكون أداة تزيد الفجوة.

في تقرير OECD (2022) عن الابتكار الاجتماعي، وجدت جملة علقت في ذهني: “التكنولوجيا ليست غاية، بل وسيط لإعادة توزيع الفرص . وهذا يعكس حقيقة اقتصادية مفادها أن الشركات التي تتبنى التصميم الدامج (Inclusive   Design)   تفتح أسواقاً جديدة وتزيد من قاعدة عملائها بشكل مستدام . وهذا ما رأيناه فعليًا في الأردن:

  • منصات تدعم النساء في البيع الإلكتروني مثل برنامج إرادة لدعم المشاريع الصغيرة.
  • مبادرات توظّف الذكاء الاصطناعي لإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل.
  • مشاريع تربط بين الريف والمدينة عبر سوق رقمي واحد.

ولكن برأيي الشخصي ما زال أحد أكبر تحدياتنا يكمن في عدم تعريب الأدوات والمنصات الذكية (AI & Tech  Localization) بشكل كامل أو دامج. فكثير من قارئات الشاشة والأوامر الصوتية لا تعمل بكفاءة مع اللهجة أو اللغة العربية، مما يخلق حاجزاً لغوياً رقمياً يضاف إلى حاجز الوصول.

التكنولوجيا فرصة لننجح جميعاً

نحن نعيش في الأردن “لحظة ذهبية” بفضل البنية التحتية الرقمية المتطورة نسبياً، والشباب المبدع، والوعي المتزايد حول الدمج. لكن التحول الرقمي لن يكون عادلاً إلا إذا صُمّم بـعقلية دامجة ترى أن لكل فرد إيقاعه وأسلوبه وتجربته. الرقمنة ليست شاشة وهاتفًا، بل عدسة ننظر بها إلى الإنسان.

الا أننا ندعو مطوري التطبيقات والشركات الناشئة في الأردن إلى تبني معايير الوصول الرقمي العالمية (WCAG) ليس كخيار، بل كحد أدنى. يجب أن تكون مخرجاتنا الرقمية قابلة للاستخدام والاختبار من قبل الجميع لضمان نجاحها الحقيقي في السوق.

سأظل أؤمن بأن الريادة الحقيقية لا تعني أن نصل وحدنا، بل أن نأخذ الآخرين معنا. وهذا هو جوهر UDL، وجوهر الريادة الرقمية الدامجة وجوهر رسالتنا في مركز ورود الشمس للدمج الشامل.

*الشريك المؤسس والمديرة التنفيذية لمركز ” ورود الشمس للدمج الشامل”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى