رقمنة
لحق قطاع الطاقة الكثير من الغبن وجار عليه الكثير من أدعياء المعرفة و أشباه “الخبراء” الذين أتاحوا أنفسهم للإعلام ، ولا يزالون، يعيدون قراءة النشرات الإخبارية علينا كمشاهدين ومراقبين بموضوع الطاقة الذي يشكل ركنا أساسيا في الاقتصاد الوطني وبعض الأدوار الإقليمية المرتقبة.
وانتشرت مغالطات عديدة شوهت هذا القطاع والجهود التاريخية التي بذلت لتنظيمه وتعزيز منعته في ظل بيئة غير مستقرة وغير مواتية. وخاصة الشق المتعلق منه بالكهرباء والالتزامات المالية المستقبلية المرتبطة به والاستطاعات التوليدية التي لا حاجة لنا بها والتي يبرهن الواقع خطأها.
أولى المغالطات هو زرع الشك لدى شرائح عديدة ان الأردن غني بالموارد المتاحة (نفط وغاز ومعادن) ولكن الدولة تحجم عن استخراجها لأسباب نجهلها، والمفارقة ان من يتحدثون بذلك يستندون الى دراسات وقراءات لا يعرف عنها سواهم .
ثاني تلك المغالطات هو ان القائمين على القطاع لا يعرفون كيف يديرون القطاع على أسس استراتيجية وتعاقدية، رغم ان العديد من القرارات التي اتخذت في السابق يتضح اليوم صحتها، ومساهمتها بما يعرف بأمن التزود الذي له تبعات مالية كذلك.
اما ثالت المغالطات واخطرها والتي روجت لها حكومات سابقة فهي ان الأردن التزم باستطاعات توليدية فائضة تكلف الخزينة مبالغ طائلة دون جدوى وترفع من كلف التوليد !.
فأين نقف اليوم من كل ذلك في ظل البيئة الإقليمية المتدهورة ؟ لعل جملة من الحقائق تفيدنا في هذا السياق فها هي شركة البترول الوطنية تزف اخبار غاز الريشة بعد جهود كبيرة من فريقها الفني والإداري، وتواصل الجهود لاستكشاف المزيد، ولا تسعى الى إخفاء الثروة الكامنة تحت الأرض ، والأردن يعتبر منطقة مفتوحة للتنقيب والاستكشاف ، وفي ظل محدودية موارد الحكومة التي يمكن تخصيصها لا غنى عن نماذج الشراكة مع القطاع الخاص وهو ما يحدث بخطوات بطيئة حتى الآن.
وعلى صعيد الفائض المزعوم في الكهرباء فإن وزارة الطاقة من خلال شركة الكهرباء الوطنية اليوم أعلنت عن حاجتها الى استطاعة توليدية جديدة تقدر بحوالي 600 ميجا وات لتضاف الى الاستطاعات القائمة، وهو ما ينفي تماما اننا في الأردن لدينا فائض ولا نعرف كيف نتصرف به، مع ادراكنا الفجوة الكبيرة ما بين الحمل الأقصى خلال ساعات الذروة وما بين الاحمال خلال الساعات التي يتراجع فيها الاستهلاك وهو مل يتطلب تحسين (إدارة الطلب).
وتم طرح مشروع التوليد الجديد واحالته وفقا للآليات ذاتها بمشاركة شركة السمرا المملوكة بالكامل للحكومة والتي تعمل على أسس تجارية، اذ لا جديد في نماذج التوليد الخاص والتعاقدات . كذلك تم طرح مشروع 200 ميجا لتوليدها بنظام الطاقة الشمسية. كل هذا يعني ان نظامنا الكهربائي يحتاج الى كميات إضافية لتلبية الطلب المحلي، فهل هناك دليل اقوى من ذلك على وهم الطاقة الفائضة عن الحاجة؟ .
الحقيقة الأخرى هي ان وجود باخرة الغاز في العقبة لم يكن عبثا او هدرا للمال العام اطلاقا، لقد شكلت الباخرة خيارا استراتيجيا لا زلنا بحاجة اليه، وهي وفرت مبالغ على الخزينة يمكن لشركة الكهرباء الوطنية الحديث عنها، كذلك فإن تعاقدات الغاز مع كافة الأطراف لم تكن مجحفة اطلاقا للقطاع بل وفرت وفقا لحسابات البنك الدول اكثر من ملياري دولار عندما اندلعت الحرب الروسية-الاوكرانية، وهو ما ساهم باستقرار أسعار الكهرباء في السوق المحلي على الرغم من الارتفاع الكبير في سعر الغاز عالميا لمن يذكر تلك الحقبة، فهل يستحق ذلك الثناء ام الهجوم . وعند حساب الكلف الا يستوجب الامر أيضا التطرق الى وفورات القرارات الصائبة السابقة من الناحية التجارية كذلك؟ .
في مجال المشتقات النفطية سعى الأردن لتعزيز المخزون ومساعدة مصفاة البترول إيجاد الشريك الاستراتيجي دون نجاح حتى الان وهو ما يستحق جهودا إضافية، ولكن من الناحية الواقعية سيكون من الصعب رؤية مستثمر كبير دون ضمانات إضافية وحصص مضمونة. اذ بات من الواضح أيضا أن الأردن بحاجة إلى بناء قدرات في مجال تكرير النفط ومشتقاته وزيادة السعات التخزينية والاحتفاظ باحتياط يكفي على الأقل لشهرين أو 40 يوما حتى يتم تجاوز الأزمات التي قد تظهر أمامنا وهي كثيرة .
بطبيعة الحال سيخرج علينا من يتحدث عن الأسعار بأثر رجعي، وهذا يتجاوز حقائق كثيرة مرتبطة بالفترة والظروف التي تمت بها التعاقدات، والتطورات التكنولوجية المرتبطة بهذا العامل وظروف الاقتصاد العالمي ، فها نحن اليوم نبحث في مشروع الناقل الوطني للمياه، فهل سيخرج علينا بعد سنوات من يتحدث عن ارتفاع الكلف في الوقت الذي تبذل فيه جهودا مضنية على مختلف المستويات لتأمين التمويل لهذا المشروع الحيوي مثله في ذلك العديد من المشاريع التي سعى الأردن لتأمين تمويلها بجهود سياسية ودبلوماسية .
نحن اليوم بحاجة إلى المزيد من توليد الكهرباء والحاجة إلى تعزيز قدراتنا التخزينية والحاجة إلى تعزيز قدراتنا في مجال تكرير المشتقات وبحاجة إلى أن نكون جزء من التطورات الإقليمية فيما يخص قطاع الطاقة والغاز والكهرباء، لقد طورنا القدرات المؤسسية والتنظيمية والتشريعية في القطاع بما يتيح لنا مواكبة المتغيرات العالمية وأن نكون من الرواد في هذا القطاع من خلال الشركات والمؤسسات العاملة في مجالي الإنتاج والتوليد والتوزيع سواء في المجال التقليدي أو المتجدد والذي يتوافق مع الاتجاهات العالمية والاستدامة البيئية.
يستحق القطاع نظرة متوازنة موضوعية، والخروج عن السردية التي تم تبنيها للأسف خلال فترة معينة وأدت الى تشويه الإنجازات، وهذا لا يعني انه لا يوجد تحديات تتعلق بالكفاءة الإنتاجية وتحسين بعض مرافق البنية التحتية والإسراع والحاجة الى تعزيز التنافسية في القطاع، لكن قطاع الطاقة متماسك ومنظم وهناك كفاءات على اعلى مستوى تعمل في هذا القطاع بمختلف فروعه تستحق الاحتفاء بها وليس الحط من قدرها.
اما التعدين فيستحق مقالة منفصلة لاحقا لوضعه في سياق رؤية التحديث الاقتصادي.
عمون – الدكتور ابراهيم سيف
التعليقات مغلقة.