عودة للبنوك الرقمية وأهميتها

12

رقمنة

الغد – عدنان أحمد يوسف*

بعد أن نشرنا، قبل أيام عدة، مقالنا حول الدعوة لتأسيس بنك رقمي إسلامي عالمي يستفيد مما تم إنجازه خلال العقود الثلاثة الماضية في مجال الصيرفة العربية الأوروبية المشتركة، وكذلك من بروز أهمية الصيرفة الإسلامية عالميا، كذلك دعوتنا لتأسيس بنك رقمي بحريني مصري، وذلك خلال مشاركتنا في منتدى الفرص الاستثمارية في القطاع المصرفي بمملكة البحرين وجمهورية مصر الذي عقد قبل أيام عدة، برزت العديد من التطورات التي تبين بصورة واضحة التنامي السريع لأهمية هذه البنوك في المنطقة والعالم.
وبعد أن شهدنا تأسيس عدد من البنوك الرقمية في البحرين وبعض دول المنطقة، رخص البنك المركزي السعودي مصرفين رقميين هما بنك “إس تي سي” والبنك السعودي الرقمي؛ حيث سيسهم تأسيس هذه البنوك في دعم الابتكار وزيادة المنافسة في القطاع المصرفي، بما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز الشمول المالي.
ويبلغ رأسمال البنك الرقمي الأول “إس تي سي” 2.5 مليار ريال تضعه في المركز الـ12 بحصة 1.25 في المائة من رؤوس أموال البنوك السعودية، فيما يبلغ رأسمال البنك الرقمي الثاني وهو “البنك الرقمي السعودي” 1.5 مليار ريال، يحجز بها المركز الـ13 بحصة 0.75 في المائة. وربما نعود في مقالة أخرى لنلقي الضوء على مبادرة شركات الاتصالات والتقنيات الرقمية مثل شركة “اس تي سي” للاستفادة من بنيتها الرقمية المتطورة للدخول في عالم المصارف.
لكننا نريد في هذا المقال تناول بعض الملاحظات تعقيبا على بعض التعليقات التي وصلتني بعد نشر المقال الأول. كذلك انطلاقا من خبرتي المصرفية السابقة في ترؤس مجالس إدارات بنوك في دول عربية وأفريقية متفاوتة من حيث التطور التشريعي والتقني المصرفي، وكذلك درجة الثقافة والوعي المصرفيين.
وأولى هذه الملاحظات أن التحول الرقمي في أي بلد لا يتأتى فجأة، بل هو نتيجة لتراكمات تمتد لسنوات طويلة. على سبيل المثال، نحن في البحرين من خلال الطفرة التي حدثت في الصناعة المصرفية منذ منتصف السبعينيات مع دخول بنوك الأوفشور، بدأنا نستخدم أحدث التقنيات المصرفية في دائرة الخزانة وترتيب القروض المشتركة وغيرها.
كما يلاحظ أن الاهتمام بهذا الجانب برز بصورة متزايدة بعد الأزمة العالمية. وكانت البداية تركز على تشديد الرقابة على العمليات والمشتقات خارج الميزانية كذلك على الامتثال ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي الجوانب التي ارتبطت بنشوب الأزمة. بعد ذلك انتقل التركيز إلى الخدمات المصرفية كافة. وبعد جائحة كورونا شهدنا اهتماما أكبر ومركزا على التحول الرقمي لارتباطه الوثيق بأمن العملاء والموظفين والمجتمع والاقتصاد، وهي جوانب تم التطرق لها كثيرا.
وثاني ملاحظاتنا بالنسبة للتحول الرقمي في المنطقة العربية، حيث يلاحظ كما ذكرنا، تباين جهود الدول العربية لتعزيز التحول الرقمي، كون بعض الدول، وخاصة الخليجية، تحرز تقدما كبيرا في هذا المجال، بينما بعض الدول العربية ما تزال في البداية. ويمكن أن نسجل أن أبرز المعوقات للتحول الرقمي في المنطقة العربية هي ضعف بيئة الأعمال المحفزة والجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية في هذا القطاع وعدم انتشار الثقافة الرقمية وضعف منظومة التجارة الإلكترونية. علاوة على ضعف المحتوى الرقمي باللغة العربية وتضاؤل نسبة وجوده وحداثة تطور البيئة القانونية والتنظيمية للاحتياجات التكنولوجية المتطورة، مثل قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، وإجراءات تحكيم الاستثمار الدولي، كذلك ضعف الإنفاق الحكومي على توطين الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وثالث ملاحظاتنا تتعلق بالحديث عن مستلزمات إنجاح التحول الرقمي والتشريعات المطلوبة. إن أول نقطة، وهي مدخل مهم لإنجاح التحول الرقمي، هي التوعية: توعية الموظفين والعملاء وأطراف المصلحة والمجتمع وأن تكون هناك حملات توعية؛ أي لا بد من خلق ثقافة التحول الرقمي لدى الموظفين وأطراف المصلحة. وألا يتم التعامل مع تقديم الخدمات الرقمية بطريقة استخدام آلات وتقنيات فقط، وإنما هناك وعي وثقافة حول طبيعة وأهمية وفوائد هذه الخدمات.
أيضا، إن رسم استراتيجية التحول الرقمي يجب أن يكون بعيد المدى؛ أي نرسم المسارات الطويلة المدى لاستراتيجية الاقتصاد أو البنك ونحدد على ضوئه احتياجات التحول الرقمي لكي لا نضطر كل فترة لتغيير الأجهزة والتقنيات المستخدمة، وهي ذات تكلفة عالية، ويجب اختيار برامج وتقنيات التحول الرقمي التي تلائم احتياجاتنا الراهنة والمستقبلية وأن ندرسها من الجوانب كافة من حيث التكلفة والعائد والمخاطر ومن حيث قدرتها على التكيف مع البيئة المحلية وغيرها.
إننا نوصي دائما سواء على صعيد الحكومات أو البنوك على تشكيل لجنة عليا تمثل فيها الأطراف المعنية كافة، خاصة باستراتيجيات التحول الرقمي؛ أي ألا يترك هذا الموضوع بيد دائرة تقنية المعلومات أو الأشخاص التقنيين فقط.
وعلى صعيد أبرز التشريعات المطلوبة للتحول الرقمي، فهي قانون المعاملات الالكترونية وقانون الجرائم الالكترونية وقانون الأمن السيبراني، كذلك سياسة تصنيف وإدارة البيانات الحكومية، والذكاء الاصطناعي، سياسة المنصات السحابية وخدماتها، سياسة واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة. كما أن هناك تشريعات داعمة مثل قانون حماية البيانات الشخصية وإدخال الجيل الخامس من الاتصالات وتحديث البنية التحتية للخدمات الالكترونية الحكومية وغيرها.

*رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد