رئيس مركز رواد الأعمال المهندسين معتز العطين يكتب لـ ” رقمنة” …. تعزيز البحث والتطوير والابتكار في الأردن و تبني تكنولوجيات المستقبل

18

رقمنة 

*المهندس معتز العطين

في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبح البحث والتطوير والابتكار من الركائز الأساسية لبناء اقتصاد قوي ومستدام. ومع الانتشار الكبير لتكنولوجيات المستقبل، التي تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، الطباعة ثلاثية الأبعاد، البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية، كل ذلك يؤدي الى تغيّر بعمق في طريقة إنتاج السلع وتقديم الخدمات، وتفتح آفاقًا جديدة للابتكار في شتى القطاعات.

وفي حقيقة الأمر أثبتت هذه التكنولوجيات قدرتها على إحداث تحولات جذرية في الصناعات التقليدية، مما يجعل الاستثمار في البحث والتطوير ضرورة استراتيجية لأي دولة تطمح إلى المنافسة العالمية

يمتلك الأردن رصيدًا بشريًا فريدًا يتجاوز 200 ألف مهندس ومسجل في نقابة المهندسين، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الخريجين في التخصصات العلميةوالتقنية سنويًا. هذا الرصيد يشكل رأس مال بشري واعد قادر على دفع عجلة الابتكار إذا ما توفرت له البيئة الداعمة والمحفزة.

بيد ان معدل الإنفاق على البحث العلمي في الأردن نسبة ضئيلة وحسب بعض التقديرات  ب 0.3% وقد لايتجاوز 0.5%  من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم ضئيل جدًا مقارنة بالدول المتقدمة التي تستثمر بين 3.5% وبعضها يصل 4.9% مثل كوريا الجنوبية وهذه النسبة هي من ناتجها المحلي في هذا المجال الحيوي. هذا الفارق يعكس تحديًا رئيسيًا أمام الأردن في تحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية حقيقية

وترتكز أبرز التحديات وطنياً على غياب التكامل الفعّال بين مراكز البحث العلميوالجامعات والقطاع الصناعي، مما يؤدي إلى ضعف في تطبيق الأبحاث العلمية في الواقع العملي.

وتشير بعض الدراسات إلى أن أكثر من 70% من المشاريع البحثية لا تترجم إلى منتجات أو خدمات مبتكرة تساهم في تطوير السوق المحلي. هذا الوضع يعزز من الاعتماد على الاستيراد ويحدّ من فرص تنويع الاقتصاد، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية والاقتصادية التي تواجه الأردن.

ومن ناحية أخرى، يتمتع الشباب الأردني بمهارات ريادية مميزة في المنطقة ، حيث أظهرت الدراسات أن نحو 60% منهم يرغبون في تأسيس مشاريع خاصة أو العمل في مجال ريادة الأعمال. يمكن لهذه التوجه أن يكون محركًا قويًا للابتكار إذا ما استطعنا انتاج نظام بيئي مناسب من تمويل، تدريب، ودعم تقني.

ان تكامل هذه الطاقات مع دعم استراتيجي للبحث والتطوير يمكن أن يؤدي إلى تأسيس شركات ناشئة تعتمد على تكنولوجيات المستقبل، فتسهم في إحداث نقلة نوعية في البنية الصناعية والاقتصادية.

وتلعب تكنولوجيات المستقبل دورًا أساسيًا في توجيه الاقتصاد نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مما يقلل الاعتماد على الصناعات التقليدية التي تواجه قيودًا في الموارد.

وتُمكّن هذه التكنولوجيا الأردن من بناء صناعات ذكية تعتمد على حلول تقنية مبتكرة، مثل التصنيع الذكي والطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج قطع غيار محلية، وتقنيات إنترنت الأشياء لتحسين كفاءة الطاقة والمياه، والذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات ودعم اتخاذ القرار. إن توظيف هذه التقنيات يعزز من قدرة الأردن على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية. 

ان البحث والتطوير المبني على المصادر المفتوحة يعتبر نموذج حديث وفعّال لتسريع وتيرة الابتكار ويمكن الاستفادة منه بشكل كبير . حيث يعتمد هذا النموذج على تبادل المعرفة والموارد بين الباحثين، الشركات، والمطورين دون قيود تقليدية، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة التعاون. فالمصادر المفتوحة تتيح الاستفادة من الأدوات والبرمجيات والبيانات بشكل جماعي، وتسهم في ابتكار حلول متقدمة تتجاوز حدود القدرات الفردية أو المؤسساتية.

وهذا يفتح أمام الأردن فرصًا كبيرة لتسخير الطاقات الوطنية ودمجها مع الخبرات العالمية في مجالات تكنولوجيات المستقبل، مما يسرّع من عملية تطوير المنتجات وتحسين جودة الخدمات. 

لتفعيل هذه الرؤية، لا بد من تبني استراتيجية وطنية شاملة للبحث والتطوير والابتكار، تبدأ برفع مخصصات البحث العلمي تدريجيًا لتصل إلى نسبة قريبة من النسب العالمية من الناتج المحلي الإجمالي، وإنشاء بنية تحتية بحثية متطورة تشمل مختبرات ومراكز ابتكار مزودة بأحدث التقنيات. كما يجب تعزيز الشراكة بين الجامعات، مراكز الأبحاث، والقطاع الصناعي، وتحفيز الاستثمار الخاص عبر حوافز ضريبية وتمويلية، بالإضافة إلى تطوير القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق الملكية الفكرية وتشجع على نقل التكنولوجيا. 

واذا ما اردنا انتاج نموذج وطني مميزيعتمد على اشراك كافة المهتمين في القطاع ضمن اطر تنظيمية وتمويلية اجتماعية  يجب التوجه للتعاونيات كنموذجًا فعّالًا لتعزيز التكامل بين مختلف أصحاب المصلحة من باحثين، مهندسين، رواد أعمال، ومستثمرين في منظومة الابتكار. يمكن للأردن أن يستثمر في تأسيس تعاونيات تقنية ترتكز على البحث والتطوير وتبني تكنولوجيات المستقبل، حيث يجتمع فيها أصحاب المهارات والمعرفة لتبادل الموارد، الخبرات، والابتكارات بشكل منسق ومنظم. هذه التعاونيات تعزز من القدرة على الوصول إلى تمويل مشترك، تقليل التكاليف التشغيلية، وتسريع عملية تحويل الأفكار البحثية إلى مشاريع قابلة للتطبيق. كما تتيح بيئة محفزة للتعلم المستمر والتعاون المفتوح، خصوصًا عند اعتمادها على منصات المصادر المفتوحة، مما يوسع نطاق الابتكار ويزيد من فرص النجاح الاقتصادي.

ومن خلال هذا النموذج، يمكن خلق شبكة قوية من الشراكات بين الجامعات، القطاع الخاص، والمؤسسات الحكومية، تسهم في بناء منظومة ابتكار وطنية متكاملة وقادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا.

ان تمكين منظومة البحث والتطوير في الأردن، مع التركيز على تبني تكنولوجيات المستقبل والمصادر المفتوحة، هو استثمار في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. فهو يعزز من قدرات الشباب ويخلق فرص عمل نوعية، ويسهم في بناء اقتصاد معرفي متجدد قادر على المنافسة العالمية، ويقلل من الفجوة التكنولوجية التي تعاني منها العديد من الدول النامية. من خلال هذا النهج، يمكن للأردن أن يتحول من مستهلك للتقنيات إلى مبتكر ومصدر لها، مما يفتح أمامه آفاقًا واسعة للريادة والتميز في عصر الاقتصاد الرقمي.

 

*رئيس مركز رواد الاعمال المهندسين في نقابة المهندسين ( رام ) 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد