مقالات

خبير الاقتصاد والاستثمار رمزي المعايطة يكتب لـ ” رقمنة” : الأردن…. نحو بيئة ريادية مستدامة

رقمنة 

*رمزي المعايطة 

في السنوات الأخيرة، أصبح الأردن واحداً من أبرز البيئات الريادية الصاعدة في المنطقة، رغم محدودية موارده وحجم سوقه المحلي. فبينما تتسابق بعض الدول لبناء “يونيكورن” بمليارات الدولارات، تتجه الشركات الأردنية الناشئة نحو نموذج مختلف قائم على الاستدامة، وحل المشكلات الفعلية، والتوسع المدروس. هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ، بل من تراكم خبرات، وبنية تحتية رقمية متقدمة، وإرث من الكفاءات البشرية التي شكّلت العمود الفقري لقطاع التكنولوجيا في المملكة .

مواهب محلية… وطموح إقليمي

يتميّز الأردن بتفوّق ملحوظ في العنصر البشري، إذ ترفد الجامعات سوق العمل بآلاف الخريجين المتخصصين في التكنولوجيا والهندسة سنوياً. هذه القاعدة البشرية القوية جعلت المملكة مركزاً لإنتاج البرمجيات والخدمات الرقمية، وجذبت شركات عالمية لإنشاء مراكز تطوير داخل الأردن.

وبفضل هذا الزخم، برزت شركات ريادية لافتة مثل Tamatem Games في مجال الألعاب الإلكترونية، وJo Academy  في التعليم الرقمي، وMadfooatCom  في الدفع الإلكتروني، وهي أمثلة تؤكد قدرة الشركات المحلية على بناء حلول قابلة للتوسع إقليمياً.

بنية رقمية تسهّل نمو القطاعات الحديثة

يشهد الأردن تطوراً لافتاً في البنية الرقمية، مع انتشار الإنترنت عالي السرعة وخدمات الاتصالات المتقدمة. هذا مكّن قطاعات جديدة مثل التجارة الإلكترونية، التكنولوجيا المالية (فينتيك) ، التعليم الإلكتروني، والخدمات السحابية من الازدهار، وخلق أرضية خصبة لرواد الأعمال لتطوير حلول حديثة تلبي احتياجات السوق.

فرص قابلة للنمو رغم التحديات

ورغم صغر حجم السوق المحلي، تنطلق الشركات الأردنية بسرعة نحو أسواق الخليج والعراق وشمال إفريقيا، ما يمنحها فرصة الوصول إلى ملايين المستخدمين خارج الحدود. كما يحظى رواد الأعمال بدعم حاضنات ومسرّعات مثل Oasis500 وiPark، إضافة إلى برامج حكومية وحاضنات قطاع خاص تعمل على تعزيز الابتكار والتحول الرقمي. 

أطلق برنامج Oasis500 أكثر من 130 شركة ناشئة، واستثمرت Flat6Labs في سبع شركات ناشئة، بينما التزم صندوق الابتكار الأردني (ISSF) الممول من البنك الدولي بتمويل 7 ملايين دولار في صناديق ريادية خلال عام 2024.

لكن هذا النمو لا يخلو من التحديات. فالتمويل في مراحل النمو المتقدمة وجذب رأس المال المغامر لا يزال محدوداً، ما يدفع العديد من الشركات الناشئة للبحث عن استثمارات خارج البلاد. كما تشكّل البيروقراطية، الضرائب، وهجرة الكفاءات عقبات أمام توسع بعض الرياديين، إلى جانب ضعف ثقافة تقبّل الفشل في المجتمع مع قوانين إعسار وضمانات تمويل معقدة ، وهو عامل مهم لأي منظومة ريادية صحية. تحتاج ببيئة أعمال الرياديين الى تطوير مستمر ومواكبة التشريعات المنظمة واعتماد منهج صندوق الاختبارات التنظيمي (Regulatory Sandbox) لخلق بيئة تنظيمية جاذبة للحلول الذكية في القطاع المالي والتجارة الالكترونية والعقود الالكترونية .

قطاعات مستقبلية واعدة

يشير خبراء إلى أن السنوات المقبلة ستشهد نمواً كبيراً في قطاعات أساسية في الأردن:

  • الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي

مع توجه المؤسسات الحكومية والخاصة للرقمنة، تظهر فرص كبيرة أمام الشركات التي تطوّر حلولاً تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.

  • التكنولوجيا المالية (FinTech)

بازدياد الاعتماد على الدفع الإلكتروني والخدمات المصرفية والحوالات  الرقمية، يمتلك الأردن فرصة لبناء شركات فنتك قادرة على المنافسة إقليمياً.

  • الخدمات التقنية الموجّهة للأسواق الخليجية

الاستقرار السياسي والمستوى التعليمي العالي يجعلان الأردن وجهة جذابة للاستثمارات الخليجية الباحثة عن شراكات تقنية.

  • تطبيقات السياحة والسفر الرقمية والمحتوى

يمتاز الأردن بمواقع تراث عالمي لا مثيل لها في العالم مثل البتراء وادي رم أم الرصاص والمغطس تحتاج الى رقمنة تجاربها وتطوير تجاربها الافتراضية وتطوير المقاصد الذكية لترويج السياحة وجذب الأجيال المستقبلية من السياح .

  • الألعاب الإلكترونية والترفيه الرقمي

 

افتتح سمو الأمير الحسين بن عبدالله ولي العهد الأمين مدينة العقبة الرقمية، وهي أول مشروع رقمي متكامل في الأردن، وإحدى أكبر مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية في المنطقة لجذب ريادي التطبيقات الذكية ، الألعاب الالكترونية والترفيه الرقمي.

  • قطاع الريادة الاجتماعية والأثر التنموي

يمتاز الأردن بنواة من الرياديين الاجتماعيين يساهمون في أهداف التنمية المستدامة والاقتصاد الشمولي تحتاج الى بيئة حاضنة وتشريعات تعزز جذب الاستثمارات المستدامة مع نمو حجم الصناديق الاستثمارية العالمية والإقليمية المتخصصة في الاستدامة مثل التغير المناخي واستدامة البيئة أزمات اللاجئين والفقر المائي .

خاتمة… نموذج أردني خاص

إن تجربة الأردن في بناء بيئة ريادية تعتمد على الاستدامة لا على الاندفاع خلف “اليونيكورن” تضعه في موقع فريد في المنطقة. فبين موارد محدودة وطموحات عالية، استطاع الأردن أن يشق طريقه بثبات نحو اقتصاد رقمي أكثر ابتكاراً ومرونة. ومع استمرار تطوير التشريعات، وتوفير التمويل، ودعم الشركات في مراحل النمو، تبدو الصورة المستقبلية للشركات الناشئة الأردنية واعدة أكثر من أي وقت مضى.

*خبير الاقتصاد والاستثمار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى