المبادرات الشبابيةجامعات ومدارس

” جسور إلى الشرق” …. مبادرة أردنية تنقل التجربة الصينية الذكية إلى فضاءات التعليم والشباب

رقمنة 

في عالم تتسارع فيه التحولات المعرفية والتكنولوجية، أضحى التبادل الثقافي أحد أكثر أدوات التأثير الإنساني فاعلية في بناء التفاهم بين الشعوب، وصياغة شراكات مستدامة قائمة على المعرفة والاحترام المتبادل. ومن هذا الإدراك العميق، انطلقت مبادرة ” جسور إلى الشرق ” كمشروع ثقافي أردني رائد، أطلقته المستشارة التربوية في الرشاقة المؤسسية والتبادل الثقافي ريم حسين، بالتعاون مع المركز الثقافي الصيني في عمّان، لترجمة الحوار الحضاري بين الأردن والصين إلى برامج عملية نابضة بالحياة والمعرفة.
لم تتعامل المبادرة مع الثقافة بوصفها عرضًا تراثيًا، بل قدّمتها كمنظومة متكاملة تتقاطع فيها التعليم، والابتكار، والتنمية الذكية، والاقتصاد الأخضر، والهوية الإنسانية.
وخلال عام 2025، شهدت “جسور إلى الشرق ” حراكًا نوعيًا واسعًا، تمثّل في تنظيم ملتقى الباحثين والخبراء الأكاديميين الأردنيين، إلى جانب حوارات شبابية، ومعارض بصرية، ومحطات تفاعلية، نقلت التجربة الصينية بوصفها نموذجًا معاصرًا في التكامل بين المعرفة والتكنولوجيا والثقافة.
ونُفذت هذه الفعاليات في خمس جامعات أردنية، حيث تحولت القاعات الجامعية إلى منصات حوار مفتوح، ناقشت إنجازات طريق الحرير بوصفه مساراً تاريخياً كفلسفة إنسانية للتواصل الحضاري والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة والانفتاح المعرفي. وأسهمت هذه اللقاءات في تعميق وعي الطلبة والشباب الأردني بالتجارب التنموية الحديثة، وتحفيز التفكير النقدي، وفتح شغف المعرفة باتجاه الشرق الآسيوي.
وامتدت الجولات الحوارية والمعارض من أكتوبر حتى ديسمبر 2025، مترافقة مع محطات فنية وإبداعية قدّمت التجربة الصينية كنموذج للتحديث المتوازن، الذي لا يفصل بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على الهوية الثقافية، ولا بين الاقتصاد والتنمية الإنسانية.
وفي السياق ذاته، شكّل المخيم الصيفي الثقافي لطلبة المدارس الثانوية الأردنية محطة مفصلية في المبادرة، حيث جرى تصميمه بأسلوب تربوي تفاعلي، ركّز على تنمية مهارات القيادة، والتفكير الإبداعي، وبناء الوعي الثقافي لدى الشباب في مرحلة حساسة من تشكّل الاتجاهات المستقبلية.
وأتاحت المبادرة تجربة دراسية في مدينة شنغهاي خلال سبتمبر 2025، وفّرت احتكاكًا مباشرًا بنماذج التعليم المتقدم، والتكامل بين التجارة والسياحة والتكنولوجيا، ضمن بيئة تعليمية عالمية تعكس روح الصين المعاصرة.
وفي هذا الإطار، تم تصميم برنامج مبتكر يقوم على دمج الثقافتين الصينية والأردنية، وتنفيذ مخيم صيفي مخصص لطلبة المدارس الأردنية الدولية، بهدف تعريف الطلبة بالتجربة الصينية بأسلوب تربوي تفاعلي يعزز الفهم الثقافي، والانفتاح المعرفي، والحوار الحضاري.
وامتد أثر  ” جسور إلى الشرق” على الجامعات والمدارس، وإلى البعد الإنساني والمجتمعي، من خلال تنظيم زيارات ثقافية وإنسانية إلى مركز الحسين للسرطان ومركز البنيات لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتصميم يوم ثقافي صيني في عدد من المدارس الدولية، تجسيدًا عمليًا للدبلوماسية الثقافية بوصفها أداة لخدمة القيم الإنسانية المشتركة، وربط الثقافة بالفعل المجتمعي المسؤول.
وقد أسهمت المبادرة في ترجمة التقارب الثقافي الأردني الصيني إلى برامج ملموسة، ربطت المؤسسات التعليمية الأردنية بنظيراتها الصينية، ووسّعت مساحات التعاون الأكاديمي والثقافي، وأعادت تعريف التبادل الثقافي بوصفه استثمارًا طويل الأمد في الإنسان.
إن تجربة ” جسور إلى الشرق” تؤكد أن الدبلوماسية الثقافية اليوم ضرورة معرفية وإنسانية، وأن بناء العلاقات بين الدول يبدأ من بناء الوعي، واحترام التنوع، وتعزيز الحوار الإنساني العميق، بوصفه أساسًا لشراكات متوازنة ومستدامة.
وتبرز مثل هذه المبادرات كنماذج مضيئة للعمل الثقافي المسؤول، القادر على فتح نوافذ الأمل، وبناء جسور حقيقية بين الأردن والصين، وبين الشرق والعالم، على أساس المعرفة، والمحبة، والإنسان أولًا.
وفي هذا الإطار، تنظر حسين إلى ” جسور إلى الشرق ” بوصفها تجربة فكرية وإنسانية، نابعة من إيمان راسخ بأن كل فرد قادر على إحداث تغيير إيجابي في محيطه، وفق قدراته ومهاراته، حين يفكّر عالميًا ويُطبّق محليًا. فحين نتحدث عن التجربة الصينية الذكية، فإننا نتحدث عن طريقة تفكير، وعن تكنولوجيا تخدم الإنسان والمكان، ضمن منظومة متكاملة تحترم الهوية، وتؤمن بالاستدامة التي تحمي المستقبل.
وتبقى تاريخنا، وحضارتنا، وثقافتنا الأردنية هي ميزتنا التنافسية الحقيقية، ومنها ننطلق بثقة نحو العالم، لنحاور، ونتعلّم، ونبني جسورًا إنسانية راسخة، تعبر الجغرافيا وتصل بين العقول والقلوب.
المصدر : صحيفة الرأي – عمار الصقور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى