توسع الشركات الناشئة…… الخطوة العشوائية ثمنها باهظ

2

رقمنة 

في مرحلة ما تجد الشركات الناشئة نفسها أمام مفترق طرق، إما التوسع وزيادة حجم العمل وتوسيع قاعدة المستهلكين والمستخدمين لمنتجاتها وخدماتها، أو البقاء مكانها دون تغيير.

وفي كثير من الأحيان تتخذ الشركات قرارا باتجاه التوسع، وهو ما يراه القائمون على هذه الشركات خطوة متقدمة نحو مزيد النجاح، إلا أن الرياح في بعض الأوقات لا تجري كما يشتهي ربابنة السفن.

ويؤكد خبراء أن قرار التوسع هو من أخطر القرارات في حياة الشركة الناشئة، إذ إنه من الممكن أن ينهي حياتها ، خصوصا إذا كان التوقيت ليس مناسبا أو في حال عدم توافق الظروف المحيطة مع هذه الخطوة.

ويوضح خبراء، أن توقيت قرار التوسع يجب ألا يكون متسرعا وأن يكون مبنيا على نجاحات مبكرة للشركة؛ لأنه قد يكبد الشركة خسائر كبيرة وخصوصا إذا لم تتوافر عوامل كاملة تساند عملية التوسع ماليا وإداريا وبشريا وتقنيا، كما أن هذا القرار لا يجب أن يتأخر كثيرا إذا توافرت العوامل اللازمة حتى لا تخسر الشركة فرصا يمكن أن تعزز نموها وربحيتها. 

وأشار الخبراء إلى أن نسبة تزيد على 50 % من الشركات الناشئة قد تفشل نتيجة لاتخاذ قرار التوسع بالتوقيت الخاطئ أو بالشكل الخاطئ. 

قرار التوسع من أخطر القرارات

وأكد الخبير في مجال ريادة الأعمال نضال قناديلو أن رحلة الريادة وتأسيس شركات ناشئة قابلة للنمو والتوسع ليست بالأمر السهل، ويجب ألا تسير دون تخطيط واختيار توقيتات مناسبة للانتقال من مرحلة إلى مرحلة بما فيها مرحلة التوسع في الأسواق، مشيرا إلى أن على الريادي ألا تقوده فقط الحماسة وحب الفكرة لاتخاذ القرارات في كل هذه المراحل.

وبين قناديلو، أن من أهم عوامل فشل الشركات الناشئة ومن أخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها الريادي هو قرار التوسع في الأسواق سواء محليا أو إقليميا أو عالميا، فيجب ألا يكون هذا القرار ارتجاليا أو تحكمه الحماسة فقط؛ لأن مثل هذا القرار إن كان خاطئا أو في توقيت خاطئ، فإنه يمكن أن ينهي حياة الشركة الناشئة.

وأوضح قناديلو، أن الشركة الناشئة عندما تبدأ عملها وتقدم منتجها أو خدمتها، فإن أول شريحة من المستهلكين تتبنى منتجها أو خدمتها تسمى ” الأقلية المبكرة” والتي تتبنى المنتج من باب التجربة وحتى إن لم يكن مكتملا، ثم تأتي الشريحة الثانية وهي ” الأغلبية” التي تحبذ الحصول على منتج متكامل، لافتا إلى أن ما ينطبق على أول مرحلة وأول شريحة من المستخدمين ليس بالضرورة أن ينطبق على الشريحة الثانية، وبالتالي على الريادي التريّث واختبار السوق قبل أن يقرر التوسع. 

اكتمال الرؤية وعوامل نجاح التوسع 

وبناء عليه، قال قناديلو “النجاحات المبكرة في أولى مراحل الشركة لا تعني بالضرورة اتخاذ قرار التوسع”، مؤكدا أهمية أن تكتمل الرؤية لدى الريادي والشركة، ويكتمل منتجه لينجح في تعميمه على الأغلبية، وأن يرافق ذلك عوامل مالية وإدارية وبشرية تساعد على التوسع.

وأوضح أنه في اللحظة التي تقرر فيها الشركة التوسع، على الريادي أن يتعامل ويوفر لها عوامل تساعد الشركة على النجاح كشركة كبيرة تتوسع، وليس بناء على أن كونها شركة ما تزال صغيرة، لافتا إلى أهمية توقيت عملية التوسع مع وجود عوامل فريق العمل الذي سيدير عملية التوسع، والقدرة الإدارية، والبنية التحتية التقنية التي تساعد على التوسع.

وبلغة الأرقام، يحتل قطاع ريادة الأعمال في الأردن المركز الرابع على مستوى الإقليم، مع وجود حوالي 31 مؤسسة تمويلية وصندوقا استثماريا معنيا بالاستثمار في المشاريع الريادية، مع وجود أكثر من 40 حاضنة ومسرعة أعمال في المملكة.

ويحتضن الأردن 200 شركة ناشئة مسجلة وفقا لدراسات محايدة، فيما تقدر دراسات أخرى أن عدد الشركات الريادية في الأردن يتجاوز 400 شركة معظمها تقنية، أو تطوع التقنية لخدمة القطاعات الأخرى. 

تجربة لشركة ريادية أردنية 

من واقع تجربة حقيقية خاضها الريادي الأردني، مؤسس شركة ” الفريدو التعليمية” احمد فريد آل سيف، أكد أن قرار توسع الشركة الناشئة هو من أهم وأخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها الريادي في مسيرته لأنه يجب أن يكون مبنيا على قاعدة متينة ومنتج وخدمة يمكن أن تعمم على عدد كبير من الناس، مشيرا إلى أن مثل هذا القرار إذا لم يتخذ في وقت مناسب قد يحيل الشركة إلى فشل، حيث إن كثيرا من الشركات وبنسبة تزيد على 50 % تخرج من السوق نتيجة لهذا السبب.

وقال آل سيف الذي يقود شركة تعمل كمنصة إلكترونية متخصصة ببيع وشراء الكتب الأكاديمية المستعملة، بالإضافة للكتب والملخصات الأكاديمية الرقمية، إن الشركة التي تأسست في العام 2021 وبعد نشاطها، والإقبال على الخدمة التي تقدمها في الأردن قررت التوسع في السنة الثانية، إلا أنه أكد أنه كان قرارا خاطئا إذ لم تكن الشركة جاهزة لهذا التوسع الذي كان يستهدف سوقا عربية.

وأكد أنه وفريق العمل تدراكوا تبعات القرار المادية والإدارية ورجعوا إلى قواعدهم في وقتها، مبينا أن نصائح المحيط والأصدقاء دفعته وقتها للمضي في هذا القرار الخاطئ، وأن على الريادي التنبه ولا تأخذه الحماسة للتوسع قبل الأوان. 

بيد أنه بين بأن الشركة بعدما أمضت وقتا أفضل في السوق الأردنية أسهم في نضوج خدمتها وتطويرها، اتخذت قرار التوسع في رابع سنة لها إلى السوق الإماراتية وكان توقيتا مناسبا أسهم في نجاح العملية، حيث توافرت العديد من العوامل وقتها مثل نضوج المنتج ودراسات السوق والتمويل الكافي.

شركة “الفريدو التعليمية” بعد أن توسعت وتطورت، تعمل اليوم من خلال مكتبين بعد التوسع في الإمارات والأردن، وزبائنها يتواجدون في 16 دولة في المنطقة.

مؤشرات قدرة الشركة الناشئة على التوسع 

وقال الخبير في مجال الاقتصاد والاتصالات وصفي الصفدي : “هنالك العديد من المؤشرات التي تدل على أن الشركة الناشئة قادرة على التوسع محليًا أو إقليميًا أو عالميًا” موضحا أن هذه المؤشرات تعكس جاهزية الشركة الناشئة للتوسع كونها تشكل مزيجًا من النضج التشغيلي، إشارات السوق، والقدرات الداخلية. 

وقال الصفدي، “الشركات الناشئة التي تتمتع برؤية واضحة، وانضباط تشغيلي، وتركيز على العملاء، وتستفيد من الدعم الحكومي والتوقيت الإستراتيجي — هي الأكثر تأهيلاً لتحقيق نمو ناجح ومستدام، وهو يرى بأن التوسع ليس مجرد نمو في العمليات، بل هو نمو في القيمة، والرؤية، والتميز.

مؤشرات المنتج 

وأوضح الصفدي أن من أبرز مؤشرات القدرة على التوسع ما يتعلق بالمنتج أو الخدمة التي تقدمها الشركة الناشئة أهمها مؤشر تحقيق توافق المنتج الذي تقوم عليه الشركة الناشئة مع احتياجات السوق، من خلال وجود منتج أو خدمة تلبي حاجة واضحة في السوق، ويتجلى ذلك من خلال تكرار الاستخدام، رضا العملاء، وانخفاض معدل الانسحاب. 

وأشار الصفدي إلى أن من مؤشرات التوسع أن يمتد توافق المنتج مع السوق إلى إمكانية القبول في أسواق أخرى.

مؤشرات نموذج الأعمال

وعلى صعيد متصل، أوضح الصفدي أن من المؤشرات ما يتعلق بنموذج أعمال الشركة الذي يجب أن يكون ” نموذج أعمال قابلا للتوسع” من خلال جود أنظمة وعمليات وهيكل مالي يمكن توسيعه دون أن يؤدي إلى زيادة متناسبة في التكاليف، وبنية تقنية قوية، وسلاسل توريد مرنة، واستعداد للأتمتة. 

مؤشرات تتعلق بالوضع المالي 

 ولفت الصفدي إلى مؤشرات أخرى تتعلق بالشأن المالي للشركة ومنها الاستقرار المالي ونمو الإيرادات، وتحقيق إيرادات ثابتة وهوامش ربحية صحية وتدفق نقدي إيجابي، وإمكانيات الشركة للحصول على جولات تمويل ناجحة أو جذب اهتمام المستثمرين؛ لأن وجود الإيراد والتمويل يساعد في التوسع.

مؤشرات الكفاءة والسمعة

وأكد أهمية وجود مؤشرات الكفاءة التشغيلية مثل مؤشرات القيادة القوية، وفرق عمل مؤهلة، وحوكمة داخلية فعالة، واتخاذ قرارات قائمة على البيانات، والقدرة على تكرار النجاحات في شرائح أو مناطق أخرى، فضلا عن أهمية مؤشرات السمعة والمزايا التنافسية.

مخاطر التوسع المبكر أو المتأخر

وبالنسبة للتوقيت يرى الصفدي أنه ” عنصر إستراتيجي حاسم” حتى مع وجود منتج جيد ورؤية واضحة، فإن التوسع المبكر أو المتأخر قد يؤدي إلى الفشل. 

وبين أن هناك مخاطر للتوسع المبكر تتمثل في تشتت في التركيز، وارتفاع معدل الإنفاق، وعدم القدرة على إدارة التعقيدات التشغيلية الجديدة، وسوء تقدير متطلبات السوق الجديدة.

ولفت الصفدي إلى ان هناك مخاطر للتوسع المتأخر تتمثل في فقدان الميزة التنافسية، وتشبع السوق بالمنافسين، وتراجع اهتمام المستثمرين.

نصائح مهمة لتوقيت التوسع 

وفي هذا السياق نصح الصفدي الرياديين للانتباه إلى عدة عوامل ومؤشرات بخصوص توقيت قرار التوسع، داعيا إياهم لمراقبة المؤشرات مثل نمو العملاء، والاحتفاظ بهم، ومستوى التفاعل، واعتماد نهج التوسع التجريبي عبر تجربة السوق المستهدفة بحجم صغير قبل الإطلاق الكامل.

وأكد أهمية عامل جاهزية البنية التحتية من خلال دراسة البنية التحتية القانونية، مع ضرورة مواءمة التوقيت مع التمويل عبر ربط جهود التوسع بالموارد والتمويل المتاح.

وأكد الصفدي أهمية وجود دعم الخبراء وحاضنات الأعمال والحكومة لمساعدة الرياديين، وإرشادهم لاتخاذ قرارات التوسع بالشكل والتوقيت المناسب. 

الغد – ابراهيم المبيضين 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد