رقمنة
الغد – د. حمزة العكاليك
في المشهد المعاصر، حيث تعد المؤسسات المالية في طليعة مستخدمي ومقدمي المنتجات التكنولوجية، لا بد من التركيز على أهمية سياسات التأمين السيبراني؛ حيث يشكل تزايد وتيرة الهجمات السيبرانية وتعقيدها تهديدات كبيرة للقطاع المالي، مما يحتم على المؤسسات اتخاذ إجراءات وقائية استباقية ضد الخسائر المالية المحتملة والتي من المحتمل أن تصبح مؤكدة.
ولا بد من الإشارة الى أن العثور على الغطاء التأميني المناسب والحصول على التغطية التأمينية المناسبة أمر ضروري لحماية الشركات المالية، كالبنوك، من الخسائر التي لم تعد محتملة الوقوع، لا بل أصبحت في حكم المؤكد نتيجة الزيادة الكبيرة للهجمات السيبرانية. ولا تحتاج المؤسسات المالية فقط إلى النظر في مستوى التغطية لاحتياجات أعمالها التكنولوجية، ولكن يجب عليها أيضا مراجعة وثائق التأمين هذه بانتظام للتأكد من أن التغطية المتوفرة لديها كافية. ولذلك، يجب أن يغطي التأمين السيبراني الشامل الخسائر المالية المباشرة التي تتكبدها المؤسسات المالية بسبب الهجمات السيبرانية. ويشمل ذلك تحويلات الأموال غير المصرح بها، والمعاملات الاحتيالية، والسرقة المالية الناتجة عن أنشطة الجرائم الإلكترونية. وبالتالي، ينبغي للسياسات التأمينية أن تحدد حدود التغطية وآليات تقييم الخسائر المالية وتعويضها، مما يضمن الاستجابة الفعالة وفي الوقت المناسب للحوادث السيبرانية.
يُعهد إلى المؤسسات المالية بكميات هائلة من البيانات الحساسة، بما في ذلك معلومات العملاء وتفاصيل المعاملات. ولا بد من أن يوفر التأمين السيبراني ضمانة مالية وتغطية تأمينية حاسمة من خلال تغطية الخسائر التي من الممكن تكبدها البنوك بسبب تحويلات الأموال غير المصرح بها، والمعاملات الاحتيالية، والسرقة الناتجة عن الهجمات السيبرانية. وفي غياب التغطية التأمينية الكافية لمثل هذه الحوادث، فالمؤسسات المالية تخاطر بتحمل تداعيات مالية كبيرة، بما في ذلك الخسائر النقدية المباشرة التي يمكن أن تؤثر سلبا على استقرارها التشغيلي وصحتها المالية على المدى الطويل؛ فعلى سبيل المثال، تنظر محكمة الاستئناف بالدائرة الحادية عشرة في ولاية فلوريدا في استئناف مقدم للمحكمة الجزئية الأميركية للمنطقة الوسطى من فلوريدا، حيث قضت المحكمة الجزئية بأن بوليصة التأمين السيبراني لا تغطي تحويل الأموال الناجمة عن المعاملات الاحتيالية الالكترونية. ولسوء الحظ، فإن تحويل الأموال المتعلقة بهجوم التصيد الاحتيالي ليس أمرًا غير معتاد. لذلك، من المهم للغاية أن تكون الشركات المالية، وخاصة تلك التي تقوم بتحويل الأموال بشكل روتيني لإجراء معاملات أعمالها، على دراية بنوع ومدى وقيود تغطية التأمين السيبراني الخاصة بها.
علاوة على ذلك، تتعامل المؤسسات المالية بشكل عام والأردنية منها كذلك مع قواعد بيانات واسعة لمعلومات العملاء، ويمكن أن يؤدي خرق البيانات إلى عواقب قانونية ومالية شديدة. وعليه، فإن سياسات التأمين السيبراني التي تغطي مسؤولية خرق البيانات تحمي المؤسسات من التكاليف القانونية ونفقات الإخطار والغرامات المحتملة المرتبطة بعدم الامتثال التنظيمي. ومن دون التغطية الكافية، قد تواجه المؤسسات المالية أضرارًا مالية وأضرارًا كبيرة تتعلق بسمعتها في أعقاب انتهاك البيانات، مما قد يؤدي إلى عقوبات تنظيمية ونزاعات قانونية.
ويشكل تزايد عمليات الابتزاز السيبراني وهجمات برامج الفدية تهديدًا كبيرًا للمؤسسات المالية. ويعد التأمين السيبراني الذي يشمل تغطية مدفوعات الابتزاز ومبالغ الفدية والنفقات المرتبطة بها أثناء المفاوضات أو التحقيقات أمرًا ضروريًا للاستجابة الفعالة لمثل هذه التهديدات. ويجب أن تضّمن بوالص التأمين الخاصة بالهجوم السيبراني تغطية الابتزاز السيبراني لكي تتمكن المؤسسات المالية من التغلب على هذه المواقف المعقدة بالدعم المالي اللازم لحماية أصولها والحفاظ على استمرارية أعمالها.
وفي الواقع، تعمل المؤسسات المالية ضمن بيئة تنظيمية صارمة ومراقبة حثيثة من قبل البنك المركزي. وعليه، فإن سياسات التأمين السيبراني التي تغطي تكاليف الامتثال التنظيمي تساعد المؤسسات على الوفاء بالتزاماتها بعد الحادث، بما في ذلك التحقيقات وعمليات التدقيق وجهود الامتثال. ومن دون مثل هذا النوع من التغطية، قد تكافح المؤسسات المالية للتنقل في المشهد التنظيمي بعد وقوع حادث إلكتروني، مما يعرضها لخطر فرض عقوبات إضافية، والتدقيق التنظيمي، والإضرار المحتمل بالسمعة التي تعد جزءا أساسيا من عمل المؤسسات المالية؛ فالبنوك أكثر ما تملكه هو سمعتها لدى عملائها.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تؤدي الهجمات الإلكترونية إلى تعطيل العمليات التجارية العادية، مما يتسبب في انقطاع الأعمال وخسائر في الإيرادات والإضرار بالسمعة. ومن المفضل، لا بل من الموصى به قانونا، أن تُضمّن وثائق التأمين السيبراني ذات التغطية الشاملة استمرارية الأعمال من خلال توفير الدعم المالي أثناء التعافي وتخفيف تأثير هذه الاضطرابات الناجمة عن الاختراقات السيبرانية؛ حيث تعد القدرة على التعافي بسرعة من أي حادث إلكتروني أمرًا بالغ الأهمية للمؤسسات المالية للحفاظ على ثقة العملاء والحفاظ على النزاهة التشغيلية والحفاظ على سمعتها في السوق.
ومما لا شك فيه أن الهجمات السيبرانية يمكن أن تسبب أضرارا مادية لأنظمة تكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية التكنولوجية مثل الخوادم والشبكات. وعليه، من الموصى به أن تمتد التغطية الشاملة لتشمل التكاليف المرتبطة باستعادة النظام والإصلاحات واستبدال الأجهزة أو البرامج المعرضة للخطر. كما يجب أن تحدد السياسات أنواع أضرار النظام المغطاة، وعملية الاستعادة، وشروط تقديم المطالبات المتعلقة بالأضرار المادية الناجمة عن الهجمات الالكترونية. وبالمثل، يمكن أن تؤدي الحوادث السيبرانية إلى ضرر كبير بالسمعة. وينبغي أن تشمل التغطية الشاملة تكاليف إدارة الأزمات، وجهود العلاقات العامة، واستراتيجيات الاتصال لاستعادة الثقة في المؤسسة. ويجب أن تحدد السياسات حدود التغطية لإدارة الأزمات والعلاقات العامة، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على ثقة العملاء. فالهجمات الإلكترونية لا تؤدي إلى خسائر مالية فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تشويه سمعة المؤسسات المالية. وتعد سياسات التأمين السيبراني التي تشمل تغطية إدارة الأزمات وجهود العلاقات العامة مفيدة في إعادة بناء الثقة بين أصحاب المصلحة (البنوك والعملاء)، لأن عواقب الإضرار بالسمعة يمكن أن تكون بعيدة المدى، بما في ذلك استنزاف العملاء وتقلص القدرة على جذب عملاء جدد. وعليه، فمن الأجدر قانونا أن تضمّن التغطية التأمينية لإدارة السمعة استجابة شاملة للتأثيرات غير المالية للهجمات الإلكترونية.
وقد دفع تصاعد وتيرة التهديدات السيبرانية وتعقيدها المؤسسات المالية إلى البحث عن تغطية تأمينية قوية للتخفيف من التداعيات المالية المحتملة المرتبطة بمثل هذه الحوادث. وبالتالي، ينبغي أن تكون شركات التأمين قادرة على تغطية الخسائر الفعلية التي تتكبدها المؤسسات المالية نتيجة للهجمات السيبرانية. وعليه، يثور التساؤل هنا عن قدرة شركات التأمين الأردنية على توفير مثل هذا النوع من التغطية التأمينية للبنوك الأردنية وأن تصبح رائدة بطرح مثل هذه المنتجات التأمينية للمؤسسات المالية، وذلك من خلال تجمعات أو الحصول على تغطيات إعادة تأمين من الشركات العالمية.
وفي الختام، تلعب شركات التأمين دورا محوريا في حماية المؤسسات المالية من الخسائر المالية المباشرة الناجمة عن الهجمات الإلكترونية. ويجب أن تحدد السياسات بوضوح أنواع الخسائر المالية المغطاة، بما في ذلك تحويلات الأموال غير المصرح بها، والمعاملات الاحتيالية، والسرقة الناتجة عن أنشطة المجرمين السيبرانيين. وينبغي تحديد حدود التغطية وآليات التقييم بوضوح لضمان الاستجابة السريعة والفعالة للحوادث السيبرانية. كما يجب أن تشمل بوليصة التأمين السيبراني القوية للمؤسسات المالية نطاقًا واسعًا من التغطية، ومعالجة الخسائر المالية، وانقطاع الأعمال، ومسؤولية اختراق البيانات، والابتزاز السيبراني، وتلف النظام، وتكاليف الامتثال التنظيمي للمعايير الامنية التكنولوجية، وإدارة الأزمات. إن تصميم السياسات بما يتناسب مع مخاطر الأمن السيبراني الفريدة التي تواجهها المؤسسات المالية يضمن استجابة مرنة وفعالة للمشهد المتطور للتهديدات السيبرانية.
التعليقات مغلقة.