مقالات

المستشارة في التمكين الرقمي للقطاع الخيري ياسمين الكفراوي تكتب لـ ” رقمنة” : التحول الرقمي والعمل الخيري …. فرصة ذهبية للانجاز والاستدامة

رقمنة

*ياسمين الكفراوي

في الوقت الذي شهدت فيه السنوات الأخيرة وتحديدا في الفترة بعد جائحة كورونا، تطوّرات لافتة في مفاهيم التحوّل الرقمي بحلولها وتطبيقاتها المتنوعة، وتوسّع كبير في تطويعها لخدمة جميع القطاعات، لم يكن قطاع العمل الخيري غائبًا عن المشهد، فقد طُوّع هو الآخر عملية التحوّل الرقمي ليحل هذا المفهوم ضيفا على المؤسسات الغير ربحية ، ليحدث تغييرا في طريقة عملهم نحو مزيد من السرعة والكفاءة والشفافية والفعالية والاستدامة في تقديم الخدمات للمتبرعين والمحتاجين والمتطوعين في أي مكان وزمان ونحو مزيد من التخفيض للأخطاء والهدر مما انعكس إيجابا على نتائجها : في ارتفاع إيراداتها وتقليل نفقاتها وتحسين سمعتها التسويقية وتقليل آثارها السلبية على البيئة.

وبالتزامن، كان هناك رفض قطعي من بعض المؤسسات التي كانت مكتوفة الأيدي ولم تستطع التكيّف وكانت عاجزة عن استقبال التحول الرقمي والعنصر التكنولوجي في رحابها، فتأثرت سلبا وواجهت صعوبة في استمراريتها، ومع ذلك أصبحت هذه المؤسسات أمام قوة كبيرة لتقّبل واقع جديد بسبب التحول الرقمي الذي أصبح الحد الأدنى للاستمرار والتأثير بعد أن كان خيار رفاهية لمثل هذه المؤسسات الخيرية. 

ولأن التحول الرقمي أثبت فعاليته وكفاءته ليكون جزءًا لا يتجزّأ من العمل التطوعي، انعكست أهميته بحل مشكلة كبيرة كانت عائق أمام المتطوعين لضرورة تواجدهم في الميدان والتزامهم بالوقت والمكان، من خلال وجود منصات رقمية تطوعية مثل منصة نحن التي نفتخر جميعنا كأردنيين بوجود مثل هذه المنصة كإنجاز أردني للتشبيك مع الفرص التطوعية وفتح أفق التطوع الوجاهي والرقمي، والمنصات العالمية الأخرى مثل بيفول التي جعلت عالم التطوع في جميع أنحاء العالم كقرية صغيرة بين المتطوع والجهة المسؤولة عن التطوع بشتى المجالات ليستطيع المتطوع تقديم مهاراته وخبراته ومهامه بمدة زمنية قياسية.

ومن واقع تجربتي في القطاع غير الربحي، كان إطلاق تطبيق سند الحكومي سببا وراء تعزيز كرامة الأسر المحتاجة ماديا من خلال تسهيل إصدار أوراقهم الرسمية لتقديم طلبات المساعدة في الجمعيات دون أعباء إضافية وتقليل تكاليف مواصلاتهم وتكاليف الطباعة وتصوير أوراقهم الثبوتية، وزيارة العديد من الجهات الحكومية والمؤسسات مثل المعونة الوطنية والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي والأحوال المدنية ودائرة الترخيص والمركبات ودائرة الأراضي والبنوك والجامعات والمدارس وتصديق جميع هذه الأوراق. 

واستكمالا للبنية والتحولات الحكومية الرقمية جاءت المنصة الوطنية “منصة تكامل” التي أطلقتها وزارة التنمية الاجتماعية لربط الجمعيات مع المؤسسات لإتمام المعاملات رقميا مما قلّص الحاجة للزيارات المتكررة، ووّفرت الوقت والمواصلات على موظفي ومجالس الجمعيات وسهّلت معاملات كانت تستنزف وقتًا وجهدًا كبيرين.

ولم تقتصر مثل هذه الجهود على البنوك والمؤسسات المالية التي قامت بدورها بإطلاق أنظمة التبرع مثل تطبيقات الهواتف للبنوك والمحافظ ونظام الدفع الفوري مما اختصر المسافات عبر الحدود بين مختلف البنوك، وقلّل جهد ووقت المتبرع والمحصّل.

أما على صعيد القطاع الخاص، لاحظت أن الكثير من الشركات الوطنية والعالمية تقدّم دعمها سواء بتوفير الأنظمة والمنصات والخدمات الرقمية بشكل مجاني أو شبه مجاني، مما كان له الأثر في إحداث نقلة نوعية في منظومة العمل الخيري على سبيل الذكر لا الحصر مثل مواقع تصميم رسوم الجرافيك، تعديل الصور ومونتاج الفيديوهات، الخدمات السحابية، والأنظمة الرقمية لإدارة وتتبع المهام، إدارة المخزون، إدارة علاقات العملاء، إدارة المستندات والملفات وتوثيقها وأتمتة سير العمل، إدارة الموارد البشرية وغيرها، جميعها كان له الدور المباشر لتعظيم أثر العمل الإنساني، والارتقاء بمنظومة العمل من خلال عمليات التوظيف والتدريب للكوادر وتلبية احتياجات المستفيدين بسرعة ودقة عالية والرجوع لملفاتهم وتحليل بياناهم لوصول الموارد بكفاءة عالية.

بدأت مؤخّرا بالتحرر من فكرة الخوف من تأثيرات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على الوظائف، وهذه الهواجس بدأت تتلاشى لأنني وصلت الى قناعة بأن التكنولوجيا الحديثة لم تلغ البُعد الانساني بل عمّقت وجوده وحرّرته وفرّغته للقيام بمهام لا يمكن للآلة اتقانها، وهي لن تستطيع توظيف القيم والمبادئ والتعاطف واستخدام أسلوب الدعاء والتهوين خاصة في نظام إدارة دراسة الحالة وإعداد البحث الاجتماعي الهاتفي والميداني.

والآن ، وبقناعة تامّة أقول أهلا بالتحوّل الرقمي الذي سيشكل فرصة ذهبية لاستدامة العمل الخيري وتحقيقه بسرعة وشفافية  ضيفا عزيزا وأصيلا، ومرحبا بالأنظمة والبرمجيات وقواعد البيانات ووداعا لحبر الطابعات وللمكاتب المكتظة بالمعاملات.

*مدربة ومستشارة في قطاع العمل الخيري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى