مقالات

المدير التنفيذي لصندوق التقاعد والتأمينات الإجتماعية في “نقابة المهندسين”، المهندس أحمد البو يكتب لـ ” رقمنة” : الاردن في مرحلة تحول …..نهضة اقتصادية يقودها الإصلاح والتحديث

رقمنة

*المهندس احمد علي البو 

تنفيذا للرؤية الملكية السامية في عهد حكومة دولة الدكتور جعفر حسان، يشهد الأردن واحدة من أجرأ وأشمل مراحل الإصلاح الاقتصادي، بعد سنوات من التحديات المركبة والعجز الهيكلي وتآكل فرص النمو.

الإصلاح اليوم لم يعد خيارًا مؤجلاً، بل ضرورة وطنية تُنفذ من خلال نهج علمي شفاف يراعي التوازن بين ضبط المالية العامة وتحفيز الاقتصاد، دون تحميل المواطن أعباءً إضافية.

لقد أدركت الحكومة أن الإصلاح الحقيقي لا يُقاس بالجباية، بل بقدرتها على تحفيز الإنتاج، وتوسيع الطبقة الوسطى، وتوفير فرص العمل، وتخفيف العبء المالي عن المواطن. ومن هنا، جاءت خطة الإصلاح الاقتصادي لتكون مختلفة: مدعومة دوليًا، ومدروسة داخليًا، ومبنية على مبدأ “التنمية دون ألم اجتماعي”، وخير دليل على ذلك برامج التحفيز الاقتصادي التي أُطلقت بالتوازي مع الإصلاحات البنيوية.

الأردن أولاً، المواطن أولاً، والمستقبل أولاً.

لم تعد هذه مجرد شعارات، بل أصبحت فلسفة عملية توجه كل قرار حكومي.

أولًا: شراكات دولية لإنقاذ المالية العامة دون رفع الكلفة على المواطن
في مواجهة الضغوط المالية المتراكمة والديون، سعت الحكومة إلى التمويل الذكي القائم على الدعم الخارجي المشروط بالإصلاح، عوضًا عن فرض ضرائب أو تقشف على المواطنين حيث نجحت الحكومة في حزيران 2025 الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج اتفاق إصلاحي طويل الأمد بقيمة 834 مليون دولار، منها 134 مليونًا فوريًا لدعم السيولة، و700 مليون ضمن “صندوق المرونة والاستدامة”، مخصصة لإصلاحات هيكلية في الطاقة والمياه والصحة، دون المساس بقدرة المواطن الشرائية.
وكذلك الأمر مع البنك الدولي الذي قدم 1.1 مليار دولار دعمًا مباشرًا وميسرًا، تم توجيه 400 مليون منه لتعزيز القطاع الخاص، و400 مليون لتوسيع الحماية الاجتماعية، و50 مليونًا لدعم ريادة الأعمال، ما يُؤكد أن محور “العدالة الاجتماعية” حاضر في قلب الخطة.

ثانيًا: رؤية التحديث الاقتصادي – خلق الفرص بدلاً من فرض الأعباء
جاءت رؤية التحديث الاقتصادي (2022–2025) لتكون خطة وطنية تستهدف جذور الخلل في الاقتصاد، لا جيب المواطن. ففي الوقت الذي عانت فيه البلاد من ركود مزمن وارتفاع بطالة، طرحت الحكومة رؤية شاملة تعتمد على تنفيذ 344 مبادرة استراتيجية عبر 35 قطاعًا وخلق أكثر من مليون فرصة عمل حقيقية، خاصة للشباب والنساء.
ورفع متوسط دخل الفرد بمعدل نمو سنوي لا يقل عن 3%.وتسهيل إجراءات الاستثمار وتوسيع الصناعات المستقبلية، بما يحفز النمو ويوسّع القاعدة الضريبية طبيعيًا، لا قسريًا.

ثالثًا: إصلاح إداري وهيكلي لخفض الهدر لا رفع الأسعار
الضعف الإداري وتضخم البيروقراطية كانا عبئًا على الاقتصاد، ومعالجتهما تُوفر على الخزينة دون المساس بالمواطن حيث أطلقت الحكومة منصات الشراء الإلكتروني (JONEPS) وأنظمة إدارة أصول مثل (RAMS)، بدعم من البنك الدولي، لتقليل الفساد ورفع كفاءة الإنفاق العام ثم تسهيل إجراءات ترخيص المشاريع عبر إصلاح رخص الأعمال، لتقليل التكاليف التشغيلية على المستثمرين والمواطنين على حد سواء.

رابعًا: مشاريع بنية تحتية تخلق فرصًا وتخفف الأعباء اليومية
في مواجهة أزمات الخدمات المتراكمة، جاءت مشاريع البنية التحتية كأداة مزدوجة: تحفيز الاقتصاد وخلق وظائف، مع تخفيف كلفة المعيشة ومن هذه المشاورين مشروع الناقل الوطني للمياه من العقبة إلى عمّان (الأكبر في تاريخ الأردن)، يهدف لتأمين 300 مليون م³ من المياه سنويًا، ويُخفف أزمة ندرة المياه التي ترهق المواطن والتوسع في مشاريع الطاقة المتجددة يمهّد لتقليل كلفة الكهرباء مستقبلاً، ويجذب استثمارات خضراء توفر وظائف نوعية.

خامسًا: استقرار نقدي لا يُرهق السوق ولا المواطن
رغم التحديات، استطاعت السياسة النقدية أن تُحافظ على الاستقرار، دون اللجوء لرفع كبير في الأسعار أو تقلبات العملة حيث تستهدف الحكومة نمو اقتصادي بنحو 2.9% بحلول 2026. و معدلات تضخم منخفضة (~2%) مما يعني ان السياسة الإصلاحية لم تكن تضخمية.
حيث بلغ الإحتياطي النقدي ما يفوق 20 مليار دولار، ما دعم استقرار سعر صرف الدينار وربط ثقة المستثمر.

سادسًا: برامج تحفيزية مباشرة دعمت المواطن والاقتصاد معًا
في لفتة واضحة إلى أن الحكومة لا تريد أن يتحمل المواطن كلفة التصحيح المالي، أطلقت مجموعة من برامج التحفيز الاقتصادي منها إعفاءات ضريبية وجمركية على المركبات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
إلغاء غرامات تأخير على التراخيص والرسوم المتراكمة لتشجيع السداد الطوعي ودعم مباشر في قطاعات التعليم المهني، الزراعة، والطاقة الشمسية المنزلية، لتقليل التكاليف وتحسين الدخل.

الخلاصة: خطة إصلاح جريئة بوجه إنساني واقتصادي
ما نراه اليوم ليس مجرد حزمة اقتصادية، بل تحول عميق في فلسفة إدارة الدولة تتضمن إصلاحٌ جذري لا يؤلم الفقير، ولا يثقل كاهل المواطن، بل يخلق فرصاً ويوفر خدمات، ويعزز الثقة.

ان هذه الحكومة تعالج التحديات المتراكمة بهدوء وذكاء، وبدعم دولي وشفافية، وتُعيد بناء الدولة من الأساس، لا من الهامش ونحن كمواطنين وقطاع خاص ومؤسسات مجتمع مدني، مدعوون لأن نكون شركاء حقيقيين في هذه النهضة، فهي ليست إصلاحًا حكوميًا فقط، بل مشروع وطن بأكمله.

 

*المدير التنفيذي لصندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية في “نقابة المهندسين الاردنيين”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى