مقالات

المدرب ومستشار الأعمال حمزة التميمي يكتب لـ ” رقمنة” : الريادة تبدأ من الداخل …. تعرف على مفهوم الإعداد الذاتي  

رقمنة

*حمزة التميمي

قبل حوالي 8 سنوات بدأت العمل مشروعي الأول كشركة مطورة لألعاب الموبايل، وكنت مدفوعا وقتها بالامل والطموح واليقين أن هذا المشروع سيعمل على احداث نقلة نوعية في حياتي، معتمدا على خبرتي  كعامل في قطاع تكنولوجيا المعلومات، خصوصا وان أن قطاع الألعاب كان يشهد طفرة وينتظره الكثير من فرص التوسع وجذب الاستثمارات.

في البدايات، كنت أظن أن النجاح في بناء الأعمال يحتاج فقط إلى فكرة عبقرية ورأس مال كافي، لذلك باشرت العمل على المشروع وأنا مفعم بالحماس والثقة، لكن بعد أشهر قليلة وجدت نفسي محاطا بالعديد من التحديات التي لم أكن أتوقعها، من صعوبات في إدارة المشروع، وتوفير الالتزامات الشهرية المترتبة على المشروع.

ومع مرور الشهور تراكمت التحديات حتى جاء وقت اصبح فيه خيار إيقاف مشروع الألعاب حتميا، لكنني كنت مصرا على البقاء في السوق والاستمرار، فكانت الانتقالة الى خطة جديدة بنموذج عمل وخدمات جديدة تواكب معطيات السوق التي كانت تشهد تحولا رقميا كبيرا في كل القطاعات، فكانت انطلاقة جديدة لشركة تقدم خدمات الاستشارات والتحول الرقمي ما فتح لي ابوابا لتجربة جديدة بدات تنجح في تقديم خدماتها في الاردن والمنطقة.

الواقع والتحدي

من خلال عملي الحالي في مجال الاستشارات والتدريب، ومن خلال لقائي بشكل دوري برواد أعمال، وأصحاب مشاريع، وجدت أن الإعداد الذاتي لرواد الأعمال، هو تحدٍ حقيقي يواجه كل من يريد العمل على مشروعه الخاص، ووهو عامل يحدث تأثيراً كبيراً على نجاح أو فشل المشاريع التجارية، فقد تكون محاطاً بعشرات القرارات الصعبة يومياً، والتي تحتاج لمساعدتك باتخاذ قرارات مالية، وهنالك مسؤوليات تجاه الفريق والعملاء، …. هذا واقع يعيشه كل رائد أعمال حقيقي اليوم.

 ما المقصود بالإعداد الذاتي للريادة؟

يمكن تعريف الإعداد الذاتي للريادي بأنه العملية التي تقوم على فهم الدوافع الشخصية وتطوير المرونة الذهنية اللازمة للتعامل مع تحديات عالم الأعمال، ووهي تشمل معرفة نقاط القوة والضعف الشخصية، بناء القدرة على التعافي من الفشل، أو حتى تطوير بعض المهارات الحياتية المهمة كفهم وإدارة الذات والذكاء العاطفي ومهارات اتخاذ القرارات وحل المشكلات وغيرها من المهارات التي يحتاج اليها كل ريادي أعمال.

وبشكل معاكس للاعتقاد السائد في منظومة ريادة الاعمال، فإن معظم المشاريع لا تفشل بسبب نقص في التمويل أو ضعف الفكرة، بل بسبب عدم استعداد المؤسس نفسياً وذهنياً للتحديات التي يواجهها، مما يجعل المهارات الحياتية من أهم العوامل في نجاح أي مشروع ريادي.

لماذا يعتبر هذا أمراً بالغ الأهمية؟

هناك تحديات متزايدة تواجه رواد الأعمال الجدد لتحقيق الاستقرار النفسي والنجاح المستدام، والإحصائيات الحديثة تؤكد خطورة الوضع، ففي دراسة حديثة من جامعة Harvard وجدت أن 90% من الشركات الناشئة تفشل، و70% من هذا الفشل يُعزى إلى عوامل نفسية وشخصية وليس تقنية أو مالية.

يعمل عدم الإعداد النفسي على خلق العديد من المشكلات.. تتمثل في اتخاذ قرارات متسرعة تحت تأثير الضغط مما يضر بالمشروع، وفقدان الدافع والحماس عند أول عقبة حقيقية، وسوء إدارة الفريق بسبب نقص في الذكاء العاطفي، إضافة إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية بسبب الضغط المستمر.

التأثير على مجالات متعددة

يؤثر عدم الإعداد النفسي للريادي بطرق مختلفة على العديد من جوانب المشروع منها.. القيادة؛ حيث يصبح من الصعب إلهام الفريق واتخاذ قرارات حكيمة تحت الضغط، وتنخفض القدرة على التواصل الفعال مع الشركاء والعملاء.

أما في اتخاذ القرارات، فالوضع مقلق جداً، ففي دراسة نشرتها مجلة Harvard Business Review وجدت أن 60% من القرارات الاستراتيجية الخاطئة في الشركات الناشئة تُتخذ تحت تأثير الضغط النفسي وعدم الوضوح في الرؤية الشخصية، هذا التسرع في اتخاذ القرارات يؤدي إلى خسائر مالية وفقدان الفرص.

كما تؤثر على العلاقات التجارية من خلال صعوبة بناء الثقة مع الشركاء والمستثمرين، وعلى الابتكار من خلال تقييد التفكير الإبداعي تحت تأثير القلق والتوتر، إضافة إلى تأثيرها على الاستدامة طويلة المدى من خلال زيادة احتمالية الإرهاق والرغبة في التوقف.

هل الحل صعب برأيكم؟

الإجابة بالطبع لا، والوعي والممارسة ستساعدك على كيفية الاستعداد نفسياً وذهنياً للريادة، حيث تبدأ عملية الإعداد بفهم دوافعك الحقيقية وقيمك الشخصية، وهناك العديد من الاستراتيجيات العملية في ذلك منها.. تحديد السبب العميق وراء رغبتك في بدء مشروعك الخاص، وبناء شبكة دعم قوية من المرشدين والأصدقاء المؤمنين برؤيتك، وتطوير عادات يومية والعمل على السلوكيات الريادية، إضافة إلى تعلم تقنيات إدارة الضغط والتعامل مع الفشل كجزء طبيعي من الرحلة.

هل أنت مستعد للريادة؟

الإعداد الذاتي للريادة ليس مجرد تغيير في بعض العادات الفكرية، بل هو رحلة لاكتشاف إمكاناتك الحقيقية وبناء الثقة العميقة في قدرتك على النجاح. الأمر لا يتعلق فقط بتحمل الضغط أو التعامل مع الفشل، بل بقرار عميق أن تستثمر في أقوى أصولك – وهو “أنت”.

كل دقيقة تقضيها في فهم ذاتك وتطوير مرونتك الذهنية هي استثمار في مستقبل مشروعك وسعادتك الشخصية، تخيّل كيف يمكن أن تتغير رحلتك الريادية لو كنت تمتلك الوضوح الكامل حول أهدافك، والقدرة على اتخاذ قرارات حكيمة تحت الضغط، وإلهام فريقك حتى في أصعب الأوقات.

قد يبدو الأمر بسيطاً، لكنه في الحقيقة مفتاح لتحويل رحلة ريادة الأعمال إلى مغامرة ممتعة ومجزية،  والجميل أن البداية ليست معقدة، قم بتحديد باكتشاف ذاتك، وحدد المهارات التي يجب أن تبدأ العمل عليها، واكتسابها لتساعدك في تلك الرحلة والمغامرة الممتعة.

*مدرب ومستشار أعمال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى