
رقمنة
*ربى أبو قاعود
في بلدة “مليح” الوادعة من لواء ذيبان، يقف بيتٌ حجري قديم بملامح الزمن وروح الأمل.
بُني عام 1935، وظلّ على مدى عقود يقدم للمجتمع أكثر مما يحتفظ لنفسه؛ فكان أول مدرسة، ومقرًا للبريد، ثم المجلس القروي، وأخيرًا مخزنًا للحبوب.
لكن الأهم، أن هذا البيت كان دائمًا في خدمة الناس، لأن العائلة المالكة له آمنت أن البيوت لا تُقاس بمساحتها، بل بما تفتحه من آفاق.
فوهبته للمجتمع وأبنائه، ليكون رافدًا للعلم والمعرفة والمهارة.
حلم صغير… بدأ بسؤال
في لقاء شبابي مع قائد الدرك السابق الباشا حسين الحواتمة، طُرح سؤال بسيط:
“من لديه فكرة تخدم مجتمعه؟”
فجاء الطلب: “نريد ترميم هذا البيت.”
هكذا بدأت الحكاية.
تم ترميم البيت، لكنه لم يُرمم بالحجارة فقط، بل بإرادة من آمنوا أن التغيير يبدأ من داخلنا.
ولد البيت من جديد، وأصبح يحمل اسمًا جديدًا بروح قديمة: مكتبة مليح الثقافية الريادية.
النساء… حارسات النور وبانيات الأثر
ما يُميز هذه المكتبة أنها ليست مجرد مبادرة شبابية، بل مشروع تتناوب عليه سيدات المجتمع المحلي بكل حب وتفانٍ.
ينظمن، يدربن، يستقبلن، ويدفعن بعجلة الحراك المجتمعي بصمت ودفء.
وفي زيارتي الأخيرة، التقيت السيدة هيا قبيلات… امرأة تُشبه الضوء.
هيا قبيلات… سيدة تعمل من القلب وتؤمن بالتأثير
قدّمتُ تدريبًا في المكتبة حول “الهوية الرقمية”، ودهشت من تنظيم هيا الدقيق، وحماسها النابع من إيمان صادق بترك الأثر.
هيا لا تنجز لتُقال إنها أنجزت، بل لأنها ترى في كل نشاط فرصة لبناء وعي، وخلق مساحة آمنة ومشتركة للتعبير.
تتواصل مع مراكز صحية، ثقافية، وشبابية، وتقود بتواضع شراكات مع هيئة شباب كلنا الأردن، ومؤسسة ولي العهد.
بل حدثتني بشغف عن مشاركتها مع سيدات مليح في تنظيم حفل ولي العهد، الذي أقيم بقلوب محبة، وترتيب أنيق، يُشبه صدق المناسبة.
نادي صيفي… ومكان يحتضن الطفولة والفكرة
في صيف هذا العام، أطلقت المكتبة ناديًا صيفيًا متنوع الأنشطة لأبناء المنطقة.
قراءة، فن، مهارات حياتية، مبادرات بيئية، وورش تعبير حر…
لكن أجمل ما في هذا النادي لم يكن فقراته، بل روحه:
كان مجانيًا، محبًا، مفتوحًا، وشاهدًا على أن المجتمع قادر على النهوض بأبنائه حين يؤمن بهم.
هذا المكان يستحق الضوء والدعم
مكتبة مليح ليست مشروعًا تموّله جهة خارجية، بل قصة حقيقية من أرض الواقع، كُتبت بشغف، واستمرت بالإصرار، وكبرت بالمحبة.
إنه بيت عاد للحياة ليصنع حياة.
وفيه نساء يُشعلن النور كل يوم، دون ضجيج.
— شكرٌ من القلب
لكل قلب يحمل رسالة، ولكل عقل يعمل لترك الأثر…
لكل سيدة تنسّق، وتستقبل، وتبتسم، وتُشعل الفكرة…
ولكل شاب يحلم رغم قلّة الإمكانيات:
أنتم الحكاية، وأنتم الأثر، وأنتم الجواب الصادق على سؤال: من يبني المجتمعات.
*مدربة ومحاضرة في مجال الريادة والابتكار