رقمنة
*نور خريس
عندما نفكر في ريادة الأعمال، غالبًا ما نتخيل أفكارًا جريئة، وإصرارًا، والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص وسط تحديات كبيرة لا تتوقف …
وفي كثير من النواحي، عندما نبحث في معاني الريادة وما يدور حولها ويتعلق بها ، نرى بان قصة بناء الاردن وتطوره على مدار العقود الماضية يعكس بشكل او باخر مفهوم الريادة الحقيقية، …
فرغم محدودية موارده الطبيعية وتعقيد البيئة الإقليمية المحيطة به، استطاع هذا البلد تطوير اقتصاد فريد ومرن يقوم على الابتكار والموهبة والتخطيط الاستراتيجي مدعوما بمزايا متعددة من اهمها مواردنا البشرية المميزة.
الأردن: قصة شركة ناشئة ناجحة
في كثير من الجوانب، تشبه رحلة الأردن في نشاته وتطوره على مدار عقود مضت قصة شركة ناشئة ناجحة – مدفوعة بالهدف، صامدة في الأوقات الصعبة، وجريئة في طموحاتها للنمو. إنه مثال حي على كيف يمكن للتفكير الريادي، عندما يجري تبنيه على المستوى الوطني، أن يشكل مستقبل مجتمع كامل وليس قطاع اقتصادي فقط.
في الاردن ، هناك تحديات كبيرة لا تتوقف في منطقة تعج بالتحديات الاقتصادية والسياسية ، ولكن المزايا متعددة لهذا البلد الصغير ما يجعله دائما قادر على مواجهة التحدي وخلق الفرص ولعل من ابرزها :
الموقع الجغرافي: ميزة تنافسية
من أبرز مزايا الأردن موقعه الجغرافي الاستراتيجي. فهو يقع عند تقاطع الثقافات ومسارات التجارة، ما جعل المملكة بسرعة مركزًا إقليميًا للتكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال.
التراث والثقافة: منصة للإبداع
لكن ليس الموقع وحده هو ما يدفع عجلة التقدم هنا. فالإرث الثقافي الغني والتقاليد العميقة في الأردن يشكلان نقطة انطلاق للإبداع الحديث. تمامًا كما يستلهم رائد الأعمال من خلفيته، يدمج الأردن إرثه مع أفكار جديدة متقدمة. يتجلى هذا المزيج في صعود الشركات الناشئة التقنية والمشاريع الإبداعية التي بدأت محليًا وانطلقت اليوم إقليميًا وعالميًا.
التعليم وتنمية المواهب: دعم الابتكار
الالتزام القوي بالتعليم وتطوير المواهب يعزز روح الابتكار في الأردن.
مثال بارز على ذلك في قطاع التقنية هو مختبر الألعاب الأردني” الذي أُسس عام 2011 بتوجيه من جلالة الملك عبد الله الثاني ضمن مبادرات صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية، حيث يهدف المختبر إلى تعزيز القدرات الوطنية في تطوير الألعاب وصناعة المحتوى الرقمي، وقد رعى منذ تأسيسه مئات المواهب والمبدعين الشباب في جميع أنحاء المملكة.
ولتعزيز ذلك، هناك أيضًا “تحدي التطبيقات”، وهو برنامج مدرسي أُطلق في العام نفسه لتعريف الطلبة بتصميم الألعاب والإبداع الرقمي.
وهذه المبادرات وضعت الأساس لاقتصاد إبداعي مزدهر قائم على مشاركة الشباب والابتكار والفخر المحلي.
رؤية التحديث الاقتصادي 2033
اليوم، تتكامل هذه الجهود مع رؤية التحديث الاقتصادي للأردن والتي تمثل استراتيجية وطنية جريئة للسنوات المقبلة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال مضاعفة فرص العمل ورفع المستوى المعيشي للمواطن.. حيث جرى تطوير الرؤية بمساهمة من الحكومة وأصحاب المصلحة في القطاع ووضعت اهدافا عامة طموحة تشمل خلق مليون فرصة عمل جديدة بواقع 100 ألف فرصة عمل سنوياً، مع تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة 4% ، وجذب أكثر من 58 مليار دولار من الاستثمارات بحلول عام 2033.
وكأي خطة عمل راسخة، تركّز الرؤية على المرونة، والتخطيط طويل الأمد، وتعزيز النمو الشامل.
رؤية التحديث الاقتصادي للأردن 2033 يمكن اعتبارها النسخة الوطنية من مشروع يعتمد على منهجية وإدارة مرنة؛ حيث توجه الأهداف الواضحة والنتائج الرئيسية المسار نحو الأهداف طويلة المدى، وتضمن مرونة التقدم المستمر، والمساءلة، والتعاون الشفاف بين الحكومة والقطاع الخاص.
الصناعات الإبداعية: محرك أساسي
الاسبوع الماضي ، سنحت لي الفرصة للمشاركة في اجتماع وطني تشاوري مع قادة من الصناعات الإبداعية الأردنية.
كانت فرصة رائعة لمراجعة الإنجازات وتخطيط الخطوات التالية في مجالات الألعاب الرقمية، والسينما، والتصميم، والفنون الأدائية، والحرف.
بفضل استراتيجية وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة المتخصصة، أصبح المطورون المحليون ولاعبو الرياضات الإلكترونية يتمتعون بالبنية التحتية والتدريب والتمويل والإرشاد الضروري. هذه التطورات لا تدعم الأفراد فقط، بل تبني منظومة مزدهرة بالكامل.
خلاصة الاجتماع: الصناعات الإبداعية ضرورة وليست رفاهية
ما برز خلال الاجتماع هو أن الصناعات الإبداعية ليست مجرد إضافة جميلة، بل هي ركيزة أساسية للاقتصاد. ولكي يستفيد الأردن بالكامل من هذا القطاع، يجب التركيز على القيادة الموحدة، السياسات المرنة، الاستثمار المستمر في البنية التحتية، والالتزام القوي بتنمية المواهب.
*الشريك التقني والاداري لمختير الالعاب الالكترونية الاردني
