الربط الكهربائي خيار تعزيز أمن الطاقة بمواجهة الأزمات
رقمنة
عمان – في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وعدم ضمان انسيابية إمدادات الوقود، يؤكد خبراء أن مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار، تمثل خيارا استراتيجيا لبناء منظومة طاقة وطنية مرنة وآمنة، تضمن استمرارية تشغيل القطاعات الحيوية وتحد من تأثير الأزمات على الاقتصاد والمواطنين.
وأكد الخبراء أهمية استكمال مشاريع الربط مع السعودية، العراق وسورية، لما توفره من تنويع في مصادر الطاقة وزيادة الاعتمادية، لافتين إلى أن الربط متعدد الاتجاهات يمنح مرونة أكبر في إدارة الأزمات ويقلل من الاعتماد على مصدر واحد للطاقة.
وكان قطاع الطاقة أعلن الأسبوع الماضي عن تفعيل خطط الطوارئ لمواجهة نقص إمدادات الغاز الطبيعي، التي شملت إعادة جدولة التزويد للمستهلكين، بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي إغلاق أكبر حقوله الغازية في أعقاب اندلاع الحرب مع إيران. وأدى ذلك إلى توقف ضخ الغاز للأردن ومصر، في وقت يعتمد فيه الأردن على هذا الغاز لتوليد النسبة الكبرى من احتياجاته الكهربائية.
ويستهلك الأردن يوميا نحو 300 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، يتم تأمينها أساسا من الاحتلال، إضافة إلى مصادر من مصر عبر خط الغاز العربي، والغاز المسال عبر ميناء العقبة، إلى جانب إنتاج محلي محدود من حقل الريشة.
وبلغت كمية الطاقة الكهربائية المستوردة خلال العام الماضي نحو 264 جيجاواط ساعة، أي ما يمثل 1.1 % من إجمالي الطاقة المشتراة، مقابل 266.4 جيجاواط ساعة في العام 2022.
ويرتبط الأردن ومصر بشبكة كهربائية منذ العام 1999، عبر كابل بحري بجهد 400 كيلو فولت، ضمن مجموعة الربط الكهربائي الثماني، التي تضم كلا من: الأردن، مصر، العراق، سورية، لبنان، فلسطين، ليبيا وتركيا.
الربط الكهربائي لتقليل الكلفة ومواجهة الطوارئ
وقال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية المهندس عبد الفتاح الدرادكة “إن مشاريع الربط الكهربائي تبرز كحل استراتيجي في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه قطاع الطاقة، لما توفره من دعم فوري لإمدادات الكهرباء، ولا سيما في حالات الطوارئ والانقطاعات المفاجئة، كما هو الحال حاليا بعد توقف إمدادات الغاز من حقل “ليفايثين” في البحر المتوسط”.
وأشار إلى أن تعزيز مشاريع الربط الإقليمي لم يعد خيارا تنمويا فحسب، بل أصبح ضرورة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة وتحقيق التكامل الاقتصادي وتحسين كفاءة استخدام الموارد. وأكد ضرورة منح هذه المشاريع أولوية في الخطط الوطنية والإقليمية للطاقة.
وأوضح الدرادكة أن الربط الكهربائي يتيح استجرار الطاقة بشكل فوري من الدول المجاورة لتغطية أي عجز في التوليد المحلي، من دون الحاجة إلى تشغيل المحطات الحرارية التي تتطلب وقتا أطول للإقلاع وتكلفة تشغيلية مرتفعة، خصوصا في حالات الطوارئ.
وبين أن تبادل الطاقة الفوري عبر الربط الإقليمي يوفر مرونة تشغيلية عالية تمكن مشغلي الشبكات من الاستجابة السريعة لاختلالات التوازن بين العرض والطلب، ما يحد من احتمالية انقطاع التيار ويحافظ على استقرار الشبكة.
وأشار إلى أن جزءا من العجز الناتج حاليا عن توقف إمدادات الغاز يتم تعويضه عبر الربط مع مصر، بفضل جاهزية خطوط الربط وكفاءتها العالية، ما يعكس أهمية هذه المشاريع في دعم الأمن الكهربائي.
وفي هذا السياق، دعا الدرادكة إلى تطوير التعاون الثنائي مع مصر من خلال إضافة كوابل بحرية جديدة لرفع القدرة التبادلية، بما يتيح استجرار كميات أكبر من الكهرباء عند الحاجة أو تصدير الفائض في أوقات الذروة.
كما شدد على أهمية استكمال مشاريع الربط مع السعودية والعراق وسورية، لما توفره من تنويع في مصادر الطاقة وزيادة الاعتمادية، لافتا إلى أن الربط متعدد الاتجاهات يمنح مرونة أكبر في إدارة الأزمات ويقلل من الاعتماد على مصدر واحد للطاقة.
الربط.. خيار اقتصادي وبديل في أوقات الذروة
من جهته، قال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الدكتور أحمد حياصات “إن مشاريع الربط الكهربائي تعد من أسرع وسائل إسناد المنظومة الكهربائية في حالات الطوارئ، سواء في حال نقص إمدادات الوقود أو لأي انقطاعات مفاجئة”.
وأشار إلى أن الربط الفعال حاليا هو مع الشبكة المصرية بقدرة تقارب 500 ميغاواط، مبينا أن فعالية الربط تعتمد أيضا على ظروف الطرف المزود، خاصة في أوقات الذروة ومدى توفر الطاقة للتصدير.
وأوضح حياصات أن الربط الكهربائي يحمل منافع اقتصادية كبيرة، إذ يمكن أن تكون تكلفة استيراد الكهرباء أقل من توليدها محليا، خصوصاً خلال ساعات الذروة، داعيا إلى توسيع هذه المشاريع لتعظيم المنفعة المتبادلة بين الدول.
وبحسب بيانات رسمية، بلغ إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية في المملكة العام الماضي نحو 24,182 جيجاواط ساعة، مقارنة بـ22,545.7 جيجاواط ساعة في العام 2022، فيما بلغ في العام 2019 نحو 20,995.8 جيجاواط ساعة.
أما الحمل الأقصى للنظام الكهربائي، فبلغ 4,240 ميغاواط العام الماضي، مقابل 4,010 ميغاواط في العام الذي سبقه، و3,380 ميغاواط في العام 2019. كما ارتفع معدل استهلاك الفرد من الطاقة الكهربائية إلى 1,951 كيلوواط ساعة العام الماضي، مقابل 1,821 كيلوواط ساعة في العام 2022.
دعوات لتوسيع الربط وتعظيم الجدوى
من جانبه، قال وزير تطوير القطاع العام الأسبق الدكتور ماهر مدادحة “إن أهمية مشاريع الربط الكهربائي لا تقتصر على ضمان استمرار التزويد في حالات نقص الوقود، بل تشمل أيضا معالجة الأعطال والانقطاعات الفنية”.
وأكد ضرورة التوسع في هذه المشاريع ورفع قدراتها الاستيعابية، مشيرا إلى أن استيراد الكهرباء قد يكون في بعض الفترات أقل تكلفة من الإنتاج المحلي، ما يعزز الجدوى الاقتصادية ويوفر عوائد إضافية للاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن هذه المشاريع تتيح تصريف الطاقة الفائضة في أوقات انخفاض الطلب، وتدعم استقرار الشبكة الوطنية من الناحية الفنية، مشددا على ضرورة تسريع تنفيذ مشاريع الربط مع سورية، لبنان، العراق والسعودية، في ظل اقتصار الربط الفعال حاليا على مصر.
الغد – رهام زيدان
التعليقات مغلقة.