
رقمنة
*عمران السكران
يشهد العالم تحولًا جذريًا في طبيعة العمل مع تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما تؤكده تقارير دولية ومحلية، من بينها التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية بعنوان “الذكاء الاصطناعي التوليدي والوظائف: مؤشر عالمي محسّن للتعرّض المهني 2025″، الذي تناول أثر الذكاء الاصطناعي على المهن والوظائف في مختلف الدول.
وفي هذا السياق، أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ملخص سياسات بعنوان “تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل: حالة العالم والأردن”، عارضًا ما قد يترتب على الأردن من تحديات وفرص في المرحلة المقبلة.
ووفقًا للملخص، فإن نحو 41 بالمئة من القوى العاملة الأردنية تقع ضمن دائرة التأثر المباشر بتطورات الذكاء الاصطناعي، بدرجات متفاوتة بين تعرض عالٍ ومتوسط.
وتشمل هذه النسبة مهنًا ترتبط بالأعمال المكتبية، والخدمات الإدارية، والقطاعات التي تعتمد على المهارات التحليلية، مما يجعل شريحة كبيرة من العاملين في مواجهة خطر الاستبدال أو التغيير في طبيعة مهامهم، في المقابل، فإن 47 بالمئة من الوظائف في الأردن تعتبر غير معرضة للمخاطر المباشرة، نظرًا لاعتمادها على الجهد البدني المباشر، كأعمال البناء والتحميل والنظافة، وهي قطاعات يصعب أتمتتها بالكامل في المدى القريب.
ويُظهر التقرير أن الخطر لا يكمن في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في الفجوة بين سرعة التطور التكنولوجي وبطء الاستعداد المهاري في سوق العمل، فالذكاء الاصطناعي لا يُقصي الإنسان من المعادلة، بقدر ما يفرض عليه التكيّف واكتساب مهارات جديدة تتيح له التعاون مع الآلة بدل منافستها.
وهنا، تبرز الحاجة إلى تحديث التعليم والتدريب المهني في الأردن بما يتماشى مع وظائف المستقبل، لا مع وظائف الماضي.
فلابد كما أوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني، من الاستثمار في الثقافة الرقمية وإعادة التأهيل المهني، وجعل التعليم التكنولوجي محورًا أساسيًا في المناهج والبرامج الجامعية، واستحداث فرص عمل جديدة في قطاعات يصعب استبدالها، مثل الصحة، والتعليم، والسياحة، والطاقة المتجددة، والصناعات الإبداعية، إلى جانب دعم الشركات الناشئة التي توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع الإنتاجية دون إلغاء الوظائف البشرية.
كما لا بد من أن تلتزم الشركات الأردنية التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بإجراء تقييمات دورية لقياس أثر هذه التقنيات على العمالة، وإعداد خطط انتقال تدريجية تحافظ على التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، إلى جانب حوافز ضريبية تشجع على دمج الذكاء الاصطناعي بطريقة تكاملية لا إقصائية.
إنّ التحدي الحقيقي أمام الأردن لا يكمن في منع دخول الذكاء الاصطناعي إلى السوق، فهذا التطور حتمي لا مفر منه، بل في كيفية حماية العاملين لا الوظائف، عبر تمكينهم من التكيف مع وظائف جديدة ومستدامة. فالعالم يتجه نحو اقتصاد قائم على المعرفة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (الوحش) القادم الذي سيغير ملامح سوق العمل، ولن يكون للأردن مكان في هذا المستقبل ما لم يستثمر في الإنسان أولًا، من خلال التعليم المرن على أدوات استخدام الذكاء الاصطناعي، والتشجيع على الابتكار والتدريب المستمر، وايجاد تشريعات تواكب هذا التقدم المتسارع الذي سيطغى على جيمع مراحل الانتاج سواء الصناعي أو الفكري أو الابداعي، كما أن تلك التشريعات لا بد ان توازن بين الابتكار والحماية الاجتماعية.
إنّ الطريق أمام الأردن محفوف بالفرص إذا تم استثمار الذكاء الاصطناعي بوعي ومسؤولية، حتى لا يكون مهددا لسوق العمل، وعلينا في الأردن السرعة في مواكبة هذا (الوحش) والعمل على ترويضه لجعله محركا للنمو والإبداع الوطني.
كاتب صحفي