
رقمنة
*شاكر خليف
يقف قطاع البناء والإنشاءات، الذي طالما عُرف ببطء تبنيه للتغيير، على أعتاب ثورة رقمية هائلة تجتاح العالم. ففي مواجهة مشاريع عملاقة تزداد تعقيدًا، وجداول زمنية مضغوطة، لم تعد الأساليب التقليدية كافية. اليوم، تبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) ونمذجة معلومات البناء (BIM) كمحركات أساسية لهذا التحول، واعدةً بزيادة الكفاءة وتقليل الهدر إلى مستويات غير مسبوقة. وتشير الأرقام إلى أن هذه ليست مجرد موجة عابرة؛ فسوق الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء وحده من المتوقع أن يقفز من 3.93 مليار دولار في عام 2024 إلى 22.68 مليار دولار بحلول عام 2033 ، و بينما تتسبب البيانات السيئة في خسائر تقدر بنحو 1.8 تريليون دولار على مستوى العالم ، يمكن للذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات المتقدمة تحقيق وفورات في التكاليف تتراوح بين 10% إلى 15% في المشاريع .
هذه الموجة الرقمية تعيد تشكيل ملامح المدن الكبرى حول العالم،وهنا يبرز سؤال ملح: أين يقف الأردن، الذي يشكل قطاع البناء فيه عصبًا حيويًا للاقتصاد، من هذه الثورة؟
يساهم قطاع الإنشاءات الأردني بما يتراوح بين 8% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي ، وقد حقق نموًا بلغ 3.5% في عام 2023 . لكن خلف هذه الأرقام الحيوية، تكمن تحديات هيكلية. فالدراسات تشير إلى أن “التصميم الضعيف، والتخطيط غير المتقن، والطبيعة المجزأة للصناعة” هي من أبرز المعوقات ، وفي هذا السياق وُصفت تقنية نمذجة معلومات البناء (BIM) بأنها “نادرة جدًا” في الأردن حتى وقت قريب ، لكن رياح التغيير بدأت تهب. فقد أظهرت دراسة حديثة أُجريت في أكتوبر 2025 وجود “استعداد عالٍ بين المشاركين الأردنيين لتبني تقنيات جديدة”، وعلى رأسها تقنية BIM وأدوات المحاكاة ، وهذا الاستعداد يتناغم مع التوجه الوطني الطموح المتمثل في “رؤية التحديث الاقتصادي” و”الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2026-2028″، التي تهدف إلى بناء “أردن ممكن رقميًا وآمنًا ومستدامًا” .
إن تحويل قطاع بحجم وتعقيد قطاع الإنشاءات الأردني لا يمكن أن يتم بجهود فردية ، فالاستفادة من الثورة الرقمية العالمية تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف:
* القطاع الخاص
* الحكومة
* المؤسسات المهنية و الأكاديمية
إن قطاع البناء الأردني يقف على أرض صلبة من الخبرة والإرث، لكن مستقبله يعتمد على قدرته على بناء جسور نحو عالم رقمي جديد وذلك من خلال تبني التكنولوجيا العالمية، والاستثمار في العقول المحلية، والعمل بروح الشراكة، مما يمكن الأردن أن يحول التحديات الحالية إلى فرصة استراتيجية، ليصبح ليس فقط مركزًا إقليميًا للبناء الحديث، بل ورائدًا في مجال الإنشاءات الرقمية.
* خبير في مجال التقنية والهندسة




