
رقمنة
*الاستاذ الدكتور أحمد غندور
أحيّي جمعية المهارات الرقمية على جديتها في بناء قاعدة معرفة وطنية حول المهارات الرقمية وعلى قدرتها على إنتاج بيانات تساعد الأردن على رؤية واقعه كما هو لا كما نحب أن نراه. وأحيّي وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة على متابعتها وربطها هذا العمل بمشروع الشباب والتكنولوجيا والوظائف لأن ربط البحث بالسياسات والبرامج هو الطريق الوحيد لتحويل النتائج إلى أثر. وأحيّي الجامعة الأردنية لأنها تمثل ثقلاً أكاديمياً لا يمكن الاستغناء عنه حين تريد الدولة أن تربط التعليم بسوق العمل عبر الأدلة لا عبر الخطاب. هذه الدراسات نحتاجها لأنها تنقل النقاش من الانطباع إلى الدليل وتضع أمامنا أرقاماً يمكن البناء عليها.
لكن هذه الأهمية لا تكفي وحدها. الدراسة تبدو غير مكتملة إذا بقيت عند حدود توصيف الفجوة فقط. هي تشرح المشكلة وتعرض الفجوة وتثبت وجودها ثم تتوقف عند ذلك. هنا يظهر الخلل. أنت لا تحتاج تقريراً جديداً كل سنتين كي تعرف أن السوق يتغير. السوق يتغير كل يوم. ما تحتاجه قرار تنفيذي يغير سلوك التعليم والتدريب والتوظيف خلال أشهر لا خلال دورات تقارير متكررة.
المشكلة التي يجب أن تُحل واضحة. لا يوجد نظام وطني يربط الطلب الحقيقي في سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما ينتجه التعليم والتدريب بطريقة قابلة للقياس. الشركات تقول نحتاج مهارات محددة الآن. الجامعات تخرّج أعداداً كبيرة. ثم يبقى السؤال معلقاً في الهواء. من الذي يمتلك المهارة فعلاً. وأين تتجمع الفجوة. هل هي نقص عدد في تخصصات بعينها. أم نقص مستوى في مهارات بعينها. أم سوء مواءمة بين ما ندرّسه وما يطلبه السوق اليوم. إذا لم تُغلق الدراسة هذا السؤال بأداة قياس ومسؤوليات ومواعيد تنفيذ فستبقى فجوة العرض والطلب عنواناً عاماً وتبقى التوصيات نوايا حسنة.
الحل لا يأتي عبر دورة جديدة ولا عبر شهادة جديدة. الحل يأتي عبر تحويل نتائج الدراسة إلى أدوات تشغيل ملزمة. المطلوب مؤشرات وطنية معلنة تقاس كل ستة أشهر وتُعلن نتائجها بشفافية. مؤشر توظيف خريجي قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال 6 أشهر من التخرج بحسب الجامعة والتخصص. مؤشر متوسط زمن شغل الوظائف الشاغرة في القطاع. مؤشر نسبة المتقدمين الذين يقدمون دليلاً عملياً على امتلاك المهارة المطلوبة كما تظهر في إعلانات التوظيف. ومؤشر فجوة المهارات بين ما يطلبه السوق وما يثبته الخريج في مهام عملية قصيرة مرتبطة بطبيعة الوظائف. ثم تربط الجهات المسؤولة التمويل والاعتماد والتحفيز بهذه المؤشرات. عندها تصبح الدراسة نقطة بداية لا نقطة نهاية.
إذا بقيت الدراسة تقريراً سننتظر مثله بعد سنتين فسنكرر المشهد المعتاد. إطلاق رسمي. كلمات قوية. تغطية إعلامية واسعة. ثم لا شيء يتغير داخل القاعات الدراسية ولا داخل غرف التوظيف. المطلوب الآن خطوة واحدة شجاعة. إعلان خطة تنفيذ منضبطة زمنياً تنقل الدراسة من ورق إلى قياس ثم إلى قرار ثم إلى أثر على أرض الواقع.
ويبقى سؤال واحد يجب أن يظل مطروحاً أمام كل الشركاء. ما الذي سيتغير في سلوك الجامعة والشركة والوزارة خلال 6 أشهر بسبب هذه الدراسة. إذا لم تجد جواباً رقمياً واضحاً فالدراسة لم تكتمل بعد.
* خبير في مجال الأعمال الالكترونية




