مقالات

الخبير في مجال الأعمال الالكترونية أحمد غندور يكتب لـ” رقمنة ”: الحوكمة الرقمية…. من وضع المعايير إلى ضمان التطبيق

رقمنة

ا.د احمد غندور

في مقالنا السابق من سلسلة “محو الأمية الرقمية”، تحدثنا عن المعيار الوطني لمحو الأمية الرقمية بوصفه المظلة التي توحد تعريف المهارات الرقمية على مستوى الدولة، وتربط التعليم بسوق العمل والتحول الرقمي. لكن وضع المعيار، مهما كان قويًا، لن يحقق أهدافه إذا لم توجد آلية واضحة لضمان تطبيقه وقياس أثره. هنا يأتي دور الحوكمة الرقمية.

الحوكمة الرقمية ليست مجرد قوانين أو لوائح مكتوبة، بل هي منظومة متكاملة من السياسات، الآليات، والهياكل التنظيمية التي تضمن أن استخدام التكنولوجيا في الدولة يتم بشكل منظم، آمن، وشفاف. هي التي تحدد من يضع القرارات، ومن ينفذها، ومن يراقب التنفيذ.

وغياب الحوكمة الرقمية يترك الباب مفتوحًا أمام القرارات الارتجالية والممارسات غير الموحدة. قد نجد وزارة تعتمد نظامًا رقميًا متطورًا، بينما أخرى ما زالت تعتمد الورق. قد تطلق جهة حكومية منصة خدمات متكاملة، لكن دون أي ربط مع قواعد البيانات الوطنية. في هذه الفوضى، تضيع الجهود، وتُهدر الموارد، ويصبح المواطن هو الضحية.

لتكون الحوكمة الرقمية فعالة، يجب أن ترتكز على ثلاثة عناصر رئيسية:
1. الإطار التشريعي والتنظيمي: قوانين محدثة تغطي حماية البيانات، الأمن السيبراني، التوقيع الرقمي، والتعاملات الإلكترونية، مع وضوح الصلاحيات والمسؤوليات.2. البنية المؤسسية: هيئات أو مجالس متخصصة تشرف على التحول الرقمي، وتنسق بين القطاعات الحكومية والخاصة، وتضمن الالتزام بالمعايير الوطنية.
3. آليات المراقبة والمساءلة: مؤشرات أداء واضحة، تقارير دورية، ونظام تقييم مستقل يقيس مستوى الالتزام ويحدد الفجوات.الحوكمة الرقمية لا تحمي فقط البيانات والأنظمة، بل تحمي أيضًا ثقة المواطن. عندما يعرف المواطن أن هناك سياسات واضحة، وجهة مسؤولة عن مراقبة جودة الخدمات الرقمية، يصبح أكثر استعدادًا لاستخدامها والمشاركة فيها.وهنا، يتضح الرابط مع المعيار الوطني لمحو الأمية الرقمية. فالمعيار يحدد “ما يجب أن يكون”، بينما الحوكمة الرقمية تضمن “كيف يتحقق” و”كيف يُحافظ عليه”. بدون حوكمة، يبقى المعيار حبرًا على ورق، وبدون معيار، تفقد الحوكمة بوصلة عملها.

في المقال القادم، رقم ١٠، سننتقل إلى الهوية الرقمية بوصفها حلقة الوصل بين المواطن والدولة، وأداة مركزية لتمكين الخدمات الرقمية وتسهيل الحياة اليومية في بيئة مؤمنة ومنظمة.

*الخبير في تخصص الاعمال الالكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى