
رقمنة
تطرح وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مسودة الاستراتيجية الأردنية للتحول الرقمي والخطة التنفيذية (2026–2028) للاستشارة العامة، في خطوة تعكس جدية الدولة في مواصلة مسار التحديث. الوثيقة تعلن سبعة أهداف رئيسية: بنية تحتية رقمية متطورة، خدمات حكومية ذكية، اقتصاد رقمي شامل، تشريعات محفزة، حوكمة بيانات وطنية، شمولية رقمية عادلة، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والأكاديمي. هذه المحاور تستجيب لمتطلبات رؤية التحديث الاقتصادي وتلتقي مع خارطة طريق تحديث القطاع العام.
الاستراتيجية تعكس إدراكًا واضحًا لأهمية التكنولوجيا والابتكار في صياغة المستقبل، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن فجوات تستحق النظر الجاد. غياب مبادرات وطنية صريحة لمحو الأمية الرقمية والسيبرانية يظل نقطة ضعف مركزية. كيف يمكن بناء اقتصاد رقمي دون رفع وعي المواطنين وتزويدهم بمهارات الحماية والأمان في فضاء مفتوح بالمخاطر؟ التجارب الدولية، من إستونيا إلى كوريا الجنوبية، أثبتت أن بناء القدرات الرقمية على مستوى الأفراد لا يقل أهمية عن بناء الشبكات والخدمات الحكومية.
كما أن غياب تدريبات سيبرانية محاكاة لخطط الطوارئ يثير تساؤلات حول الجاهزية للأزمات. مؤسسات مالية في سنغافورة والاتحاد الأوروبي تُجري هذه التدريبات دوريًا، وتعتبرها شرطًا أساسيًا لاستدامة الثقة في الأنظمة الرقمية. أليس من الأجدر أن تكون هذه الممارسات جزءًا من الخطة التنفيذية الأردنية؟
جانب آخر هو محدودية الإشارة إلى الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجية. الخطة التنفيذية تذكر بعض المبادرات، لكنها لا ترتقي إلى مستوى رؤية وطنية متكاملة. تنظيم هاكاثونات للذكاء الاصطناعي خطوة إيجابية، لكنها لا تكفي. التجارب العالمية تشير إلى أهمية وجود منصات ابتكار وطني تمزج بين البحث الأكاديمي وريادة الأعمال، وتحوّل الأفكار إلى حلول اقتصادية وتجارية قابلة للنمو.
الاستراتيجية المعروضة للاستشارة العامة خطوة محورية، لكنها ليست نهائية. قيمتها الكبرى تكمن في هذا النقاش المجتمعي المفتوح الذي يتيح للخبراء والباحثين والمواطنين الإسهام في صياغة المسار الرقمي للأردن. مراجعة الفجوات، وإضافة المبادرات المفقودة، وتحويل الاستراتيجية إلى خطة أكثر شمولًا، هي مسؤولية جماعية إن أردنا أن نقترب من طموح أن يكون الأردن مركزًا إقليميًا للابتكار والتكنولوجيا.
*الخبير في تخصص الاعمال الالكترونية