مقالات

الخبير في تخصص الأعمال الإلكترونية أحمد غندور يكتب لـ “رقمنة” : المعيار الوطني لمحو الأمية الرقمية ….. من المبادرات الفردية إلى مشروع دولة

رقمنة 

*ا.د احمد غندور

في مقالاتنا السابقة من سلسلة “محو الأمية الرقمية”، بدأنا الحكاية من الأساس. تحدثنا عن المهارات الرقمية كضرورة حياتية، ثم عن الوعي السيبراني باعتباره خط الدفاع الأول، وبعدها عن الذكاء الاصطناعي وكيف أصبح جزءًا من التعليم والعمل والحياة اليومية. الرسالة كانت واضحة: العالم الرقمي لم يعد خيارًا، ومن يتأخر عن مواكبته سيجد نفسه على الهامش.

لكن كل ما تناولناه حتى الآن ظل يدور حول المستوى الفردي. وهنا يبرز السؤال: هل يكفي أن يمتلك بعض الأفراد هذه المهارات بينما لا يوجد إطار وطني يحدد الحد الأدنى من الكفاءة الرقمية التي يجب أن يمتلكها كل مواطن؟

غياب معيار وطني لمحو الأمية الرقمية يترك فجوة واضحة بين ما يتعلمه الأفراد وبين ما يتطلبه سوق العمل والخدمات الحكومية. نرى موظفين يجيدون تشغيل الحاسوب لكنهم يفتقرون لأبسط قواعد الأمن السيبراني. نجد خريجين يتقنون البرامج المكتبية لكنهم لا يعرفون كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وحتى المواطن العادي قد يستخدم الخدمات الرقمية دون معرفة بكيفية حماية بياناته.

لهذا، يصبح وجود معيار وطني لمحو الأمية الرقمية ضرورة، لا مجرد خيار. هذا المعيار يحدد الحد الأدنى من المهارات الرقمية المطلوبة لكل فرد، ويقوم على ثلاثة محاور رئيسية:
1. المهارات الرقمية الأساسية: التعامل مع البريد الإلكتروني، التطبيقات الحكومية، الدفع الإلكتروني، والتجارة عبر الإنترنت.2. الوعي السيبراني: حماية الحسابات، إنشاء كلمات مرور قوية، التحقق من الروابط، والاستخدام الآمن للشبكة.
3. مهارات الذكاء الاصطناعي: فهم واستخدام أدوات مثل ChatGPT وCopilot وGemini بوعي ومسؤولية.

وجود هذا المعيار سيوحد مستوى الجاهزية الرقمية على مستوى الدولة، ويربط التعليم بسوق العمل، ويجعل المجتمع أكثر قدرة على الاستفادة من التحول الرقمي وأقل عرضة للمخاطر.

ويذكر أن منهاج “المهارات الرقمية” للمدارس خطوة مهمة في مسار بناء الجاهزية الرقمية الوطنية، لكنه لا يمكن أن يحقق أثره الاستراتيجي إلا إذا انطلق من هذا المعيار الوطني، الذي يشكل المظلة الموحدة لتعريف المهارات الرقمية على مستوى الدولة. في حين يشكل الإطار الوطني للمهارات الرقمية المدرسية تطبيقًا قطاعيًا لهذا المعيار داخل منظومة التعليم العام، مع مصفوفة مهارات ومراحل تناسب الفئات العمرية. بهذه الطريقة، يصبح المنهاج المدرسي جزءًا من رؤية وطنية متكاملة، لا مبادرة منفصلة، ويتحرك بتناغم مع احتياجات سوق العمل وخطط التحول الرقمي.

لكن وضع المعيار ليس نهاية الطريق. لا بد من دعمه ببرامج تدريب معتمدة، وأنظمة تقييم موحدة، وحملات توعية مستمرة، وشراكات تجمع الحكومة والقطاع الخاص والجامعات.

هذا المعيار هو الخطوة الأولى نحو الانتقال من المبادرات الفردية إلى مشروع دولة. وفي المقال القادم، رقم ٩، سنتناول الحوكمة الرقمية كأداة لضمان أن هذا التحول يتم في إطار منظم، شفاف، ومسؤول، يربط بين القوانين، السياسات، والممارسات لضمان استدامة الجاهزية الرقمية على المدى الطويل. 

*الخبير في تخصص الاعمال الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى