مقالات

الخبير في التقنية والتحول الرقمي والعمل الانساني رامي أبو السمن يكتب لـ ” رقمنة ” ….. التحول الرقمي والعمل الإنساني: من التحدي إلى الفرصة

رقمنة

*رامي ابو السمن

 

في ظل التسارع الهائل في الأزمات الإنسانية عالميًا، تبرز الحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية في طريقة تقديم الخدمات الإنسانية، بما يتجاوز الأساليب التقليدية التي لم تعد قادرة على مواكبة تعقيدات الواقع الميداني. ويزداد وضوح هذه الحاجة مع اتساع الفجوة بين حجم التحديات والقدرات التشغيلية للمنظومات الإنسانية الحالية.

هنا يظهر دور التحول الرقمي ليس فقط كأداة داعمة، بل كتحول استراتيجي كامل في شكل الخدمة ومحتواها ونموذج تقديمها. وتكمن المسؤولية الكبرى على عاتق الحكومات العربية والعالمية، التي يُنتظر منها سرعة الاستجابة والتفاعل مع واقع جديد تُصبح فيه الخدمة الإنسانية منتجًا رقميًا احترافيًا، يُباع ويُشترى كسلعة ذات قيمة مضافة، تمامًا كباقات الخبرات المتداولة في القطاعات الاقتصادية الأخرى.

هذا التحول لا يعني تسليع العمل الإنساني، بل يعني تحريره من قيود البيروقراطية وتحويله إلى منظومة مرنة، قابلة للتكيف، وقائمة على الكفاءة والأثر.

 

من المعرفة إلى المنتج: اقتصاد الخبرة الإنسانية في الفضاء الرقمي

لم تعد الخبرات الإنسانية حبيسة المؤسسات غير الربحية أو المسميات التطوعية. اليوم، ومع تصاعد أدوات التحول الرقمي، أصبح بالإمكان تحويل هذه الخبرات إلى منتجات وخدمات ذات قيمة تُقدَّم في السوق الإنساني العالمي بحرية وشفافية.

فخبير في تطوير حلول المياه، على سبيل المثال، يمكنه بيع خبرته لشخص يسعى لتأسيس منظومة مياه في قرية نائية، أو تقديمها كمشروع استشاري لمؤسسة غير ربحية، أو حتى العمل مع جهة حكومية ترغب في تبني نموذج تنموي مبتكر. الخبرة هنا تصبح سلعة معرفية قابلة للتداول، بشرط أن تُقدَّم في قالب احترافي، قابل للتنفيذ، ومدعوم بالأدلة والأثر.

وهنا، ننتظر أن تظهر منصات إلكترونية متخصصة تتيح عرض وبيع هذه الخبرات الإنسانية من قِبل الأفراد والشركات للعلن، ليصبح من الممكن لأي جهة، أو شخص، أن يشتري خدمات إنسانية عالية الجودة بطريقة تتماشى مع روح التحول الرقمي ومعايير السوق الحديث. كما ننتظر من التشريعات الوطنية والدولية أن تواكب هذا التحول، وأن تُقر بأحقية الأفراد في تقديم خدماتهم الإنسانية ضمن إطار قانوني واضح يُوازن بين حرية الممارسة كباقي القطاعات والخبرات مثل قطاع الخبرة البرمجية والخبرة الحرفية ضمن ضوابط الشفافية والمساءلة.

إن الفضاء الرقمي يتيح حرية العرض وحرية التعاقد. لا يهم إن كانت الجهة المنفذة فردًا، شركة، أو جمعية، ما دامت تقدم خدمة إنسانية ذات أثر واضح. هذا التغيير المفاهيمي يفتح الباب أمام نقلة نوعية في العمل الإنساني، حيث يصبح بإمكان الأفراد أن يساهموا في التنمية العالمية دون الحاجة إلى الانضواء تحت مظلة كيان تقليدي، ويصبح بمقدور الجهات الباحثة عن حلول إنسانية أن تشتري خدمات من مصادر متنوعة، وفق معايير الكفاءة لا الشكل التنظيمي.

 

التكامل الرقمي في خدمة الإنسان

في نهاية المطاف، يأتي دور التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي كقوة ممكنة لدمج جميع ما سبق في منصات ذكية متكاملة تُعيد تشكيل العمل الإنساني ليواكب روح العصر ويخرج من عباءة الأساليب التقليدية إلى منظومات رقمية متقدمة.

هذه المنصات لا تقتصر على تحسين الكفاءة فحسب، بل تُمكّن الإنسان من خدمة الإنسان بطرق أكثر عدالة وفعالية، وتفتح المجال أمام تنوع الفاعلين في القطاع – من أفراد وشركات ومؤسسات – للمساهمة بحرية واحتراف في تحقيق أثر تنموي ملموس. فالتحول الرقمي ليس مجرد تقنية، بل رؤية تكاملية تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والإنسان من أجل ازدهار الأرض وتحقيق العدالة والكرامة

*الخبير في مجال التقنية والتحول الرقمي ، ومتخصص في تطوير نماذج مبتكرة للعمل الانساني الرقمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى