مقالات

الخبيرة في مجال حقوق الانسان الدكتورة نهلا المومني تكتب لـ ” رقمنة” :الحقوق الرقمية والاطار القانوني الدولي لحقوق الانسان

رقمنة

*الدكتورة نهلا المومني

 التطورات التكنولوجية والناشئة أحدثت تحولات في العالم أجمع وعلى الأصعدة كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبدأت تلقي بظلالها على فئات المجتمع كافة وتشكل أداة للتقدم وتسهيل متطلبات الحياة والتمتع بالحقوق في بعض الأحيان، إلا انها تشكل في الوقت ذاته أداة لممارسة انتهاكات في مجال حقوق الإنسان وهو الأمر الذي تنبهت له مبكرًا الأجهزة المعنية في الأمم المتحدة، ما أدى إلى مناقشة حماية حقوق الإنسان في سياق المستجدات الرقمية والتكنولوجيا الناشئة.

وفي هذا السياق انطلقت المعايير الدولية لحقوق الانسان فيما يتعلق بالمستجدات الرقمية وحقوق الإنسان من منطلقين أساسيين، الأول: اعتبار التكنولوجيا الحديثة والناشئة أداة هامة لمزيد من تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها والتمتع بها، واعتبارها أداة من أدوات تسريع عملية التنمية المستدامة، وحث الدول على وضع الآليات والتدابير اللازمة للاستفادة من هذه الأدوات.

أما المنطلق الثاني: التسليم بأن التكنولوجيا الحديثة والناشئة تنطوي على مخاطر جديدة وبعضها غير معروف تمام المعرفة، والتأكيد على الحاجة إلى تحديد المخاطر والتخفيف من حدتها وضمان الاشراف على التكنولوجيا من خلال آليات تعزز وتحمي حقوق الإنسان وتعزز تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، ما يتطلب اتخاذ تدابير تشريعية وادارية وقضائية فاعلة.

 استنادا الى هذه المنطلقات تم اصدار مجموعة من الوثائق الدولية لتضع المرتكزات الاساسية التي تشكل مخاطر محتملة على حقوق الانسان ولتكرس في الوقت ذاته وتؤسس لمفهوم جديد الا وهو الحقوق الرقمية.

من ابرز هذه الوثائق خارطة الطريق للتعاون الرقمي الصادرة عن الامم المتحدة والتي تطرقت إلى  اشكال متعددة للانتهاكات التي قد تطال الحقوق الرقمية وابرزها،  المراقبة وانتهاك الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، التمييز واستخدام الخوارزميات بما يؤدي الى اقصاء فئات بعينها او تهميشها او تكريس صورة نمطية عنها ، بالاضافة الى مخاطر تتعلق بالهوية الرقمية  ومخاطر استغلال الافراد في اعمال غير مشروعة من خلال شبكة الانترنت وغيرها من المخاطر المرتبطة باستخدامات الذكاء الاصطناعي ايضا التي لم تتحدد بعض اشكالها بعد.

لهذه الغاية وللحد من الاثار المحتملة لهذه المخاطر حددت الوثيقة ذاتها ثماني مجالات عمل رئيسة يتوجب على الدول العمل في اطارها تتمثل في الاتي:ضمان حماية حقوق الانسان في العصر الرقمي، تعزيز بناء القدرات الرقمية ، تعزيز الثقة والامن الرقميين، تحقيق الاتصال الالكتروني العالمي بأسعار معقولة،تعزيز المنافع العامة الرقمية لخلق عالم أكثر انصافا، ضمان تعميم التكنولوجيا الرقمية على الجميع بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفا،دعم التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي القائم وبناء هيكل أكثر فعالية للتعاون الرقمي

 المعايير الدولية لحقوق الانسان تقف اليوم على مفترق طرق فيما يتعلق بالتكنولوجيا الناشئة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، فكما ان الانسان هو المستفيد الأول من هذه الادوات، فإنه في الوقت ذاته يواجه تحد حقيقي في المحافظة على حقوقه في عالم رقمي تتقاطع فيه المصالح المتعارضة التي لا بد من ايجاد توازن بينها فلا تطغى واحدة على أخرى؛ ما يتطلب من الدول العمل مبكرا على تحديد الاطر القانونية الفاعلة وبالاسترشاد بالوثائق الدولية في مجال حقوق الانسان التي من شأنها حماية حقوق الانسان التي اتخذت اليوم طابعا رقميا. 

*خبيرة في مجال حقوق الانسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى