الحوكمة الإلكترونية في عصر التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي

4

رقمنة 

*الغد – الدكتور سعد ناجي 

أصبحت الحوكمة الإلكترونية اليوم أكثر من مجرد استخدام أدوات تقنية؛ فهي تمثل نموذجًا إداريًا شاملًا يهدف إلى تسخير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لرفع كفاءة العمليات الإدارية وتبسيطها.

ويتماشى هذا التحول مع نهج ليبرالي يركّز على كفاءة الأداء، والشفافية، وتمكين الأفراد والمؤسسات من الوصول السلس إلى الخدمات والمعلومات.

تعتمد الحوكمة الإلكترونية على إنشاء أنظمة متكاملة من السجلات والمنصات الرقمية المترابطة، يتم تحليلها بواسطة خوارزميات ذكية قادرة على دعم اتخاذ القرار بسرعة ودقة أعلى. وقد أصبح الذكاء الاصطناعي حجر الأساس في هذا التحول، إذ يُستخدم في توقع الاحتياجات، وأتمتة المهام المتكررة، وتحسين تجربة المستخدم داخل بيئات العمل الإدارية.
اعتمدت مؤسسات بارزة حول العالم نماذج حوكمة إلكترونية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتعزيز عملياتها. فعلى سبيل المثال، تبرز إمارة دبي كمثال متقدم على التحول إلى نموذج حوكمة إلكترونية متكامل، حيث أطلقت حكومة دبي العديد من المبادرات الذكية مثل “استراتيجية دبي الذكية 2021” و”دبي بلا ورق”، والتي تهدف إلى رقمنة كافة المعاملات الحكومية وتوفيرها عبر منصات موحدة. كما تم إنشاء بنية تحتية رقمية متطورة مثل تطبيق “دبي الآن” الذي يتيح للمواطنين والمقيمين إنجاز أكثر من 130 خدمة حكومية وخاصة من مكان واحد، بما يعزز تجربة المستخدم ويختصر الوقت والجهد.

وفي هذا الإطار، يُستخدم الذكاء الاصطناعي كأحد الأدوات الداعمة ضمن منظومة الحوكمة، حيث يُوظَّف في مجالات محددة مثل تحليل البيانات، الردود التلقائية عبر روبوتات الدردشة، والتنبؤ ببعض الاحتياجات الخدمية، لكن دون أن يكون المحور الرئيس في النموذج الإداري، بل جزءًا من منظومة رقمية أوسع.

 وفي القطاع المالي، تستخدم جي بي مورغان تشيس (JPMorgan Chase) منصة COiN لتحليل العقود آليًا، مما يعزز الالتزام والشفافية التشغيلية. كذلك، تُدمج مبادرة الأمة الذكية في سنغافورة (Smart Nation) الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة لتحقيق حوكمة استباقية وخدمات متمحورة حول المواطن. وفي القطاع الخاص، طورت آي بي إم (IBM) ومايكروسوفت (Microsoft) أدوات حوكمة رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد الحكومات والشركات على إدارة سير العمل الرقمي بنزاهة ورقابة أخلاقية. إضافة إلى ذلك، تعتمد بنوك مثل إتش إس بي سي (HSBC) وآي إن جي (ING Bank) أنظمة ذكاء اصطناعي للتوافق الرقابي وتقييم المخاطر ضمن استراتيجياتها الأوسع للحكومة الرقمية.

شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا أكاديميًا متزايدًا—خصوصًا في مجالي علم الاجتماع وعلم نفس المنظمات—لتطوير نماذج نظرية تفسر العوامل التي تؤثر في تبني أنظمة الحوكمة الإلكترونية وكيف يتفاعل الأفراد والمؤسسات مع هذا النموذج الإداري الحديث. تستكشف هذه النماذج التفاعل بين التكنولوجيا وثقافة المنظمة، ومدى الجاهزية للتغيير، وآليات التعلم الرقمي داخل المؤسسات.

إن التحول نحو الحوكمة الإلكترونية الليبرالية لا يقتصر على تحديث الأدوات؛ بل يتطلب إعادة هيكلة جذرية للمفاهيم الإدارية وأطر الحوكمة. ويتيح ذلك مرونة أكبر، واستجابة أسرع للتغيرات، وبناء بيئة عمل رقمية قائمة على الكفاءة والتمكين والابتكار.

** رجل اعمال / خبير في الاقتصاد الرقمي 
نائب الرئيس / مجلس الاعمال العراقي في الاردن

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد