رقمنة
د. غازي الجبور
لقد استدعى التطور الطبيعي لأنظمة الاتصالات المتنقلة ظهور تقنيات الجيل الخامس والذي يعد قفزة تكنولوجية كبيرة مقارنة بالجيل الرابع حيث سيتيح إمكانية توفير اتصالات الحزم العريضة (Broadband) بجميع استخداماتها العملية لما تملكه هذه التقنية من ميزة رئيسة في أنها تعمل ضمن حزمة ترددية أكبر وأعرض وبالتالي سرعات تنزيل أعلى. الجيل الخامس ليس تطورا للأجيال السابقة فقط، بل يعتبر منصة اقتصادية تشكل حجر الأساس لتوفير البنية التحتية اللازمة لكافة القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم والصناعة والتجارة وغيرها ويبدو أن الجيل الخامس يعاني من نحس الاتهام حيث سبق أن تم اتهامه من قبل جهات عدة في أوروبا والولايات المتحدة بأنه يسبب كورونا، وقد قمت حينها بكتابة مقال عنوانه الجيل الخامس بريء من كورونا. إن طبيعة الاتصالات المتنقلة تعتمد بشكل رئيسي على استخدام الترددات لبث واستقبال كافة خدمات الاتصالات، ويتم اختيار الترددات ضمن عدة عوامل منها سعة انتشار الخدمات وعرض الحزم وتوفير كثافة الاستخدام. ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية قمنا بالتنسيق مع دول الجوار لاستخدام هذه الترددات، حيث تم بالتنسيق مع المجموعة العربية اختيار عدة حزم ترددات لاستخدامات الجيل الخامس ومنها حزمة الـ (C band) التي يقع ضمنها الترددات المنوي استخدامها ضمن النطاق (3400-3800) ميجاهيرتز. مع العلم بأن عرض هذه الحزمة غير كافي مستقبلا مما يعني الحاجة لاستخدام ترددات أعلى أقرب إلى 4200 ميجاهيرتز. لقد قامت الطائرات التجارية والمدنية والعسكرية ومنذ عام 1938 باستخدام أجهزة قياس الارتفاع والتي تسمى رادارات الارتفاع (Altimeter Radar) لمساعدة الطائرات بعمليات الهبوط الآلي وتفادي الارتطام بالأرض والاجسام المرتفعة في الليل وفي الظروف الجوية، وتعمل هذه الرادارات ضمن مديات ترددية قريبة من ترددات الجيل الخامس في المدى (4200-4400) ميجاهيرتز. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كانت هذه الترددات مختلفة عن بعضها، فأين تكمن المشكلة؟ الواقع أن أنظمة البث جميعها تبث ترددات خارج الترددات والنطاقات المعلنة ولكن بقدرة طاقة بث أقل، وتسمى الترددات خارج النطاقات المعلنة بترددات البث الجانبية (Intermodulation)، وكلما كانت هذه الترددات الجانبية أقرب إلى النطاق المعلن كلما كانت طاقة بثها أعلى وفي حال وصول إشارة صادرة عن أنظمة الجيل الخامس إلى رادار قياس الارتفاع ضمن ترددات عمله في الطائرة فلن يميز هل هي صادرة عن ارتداد إشارة الرادار عن الأرض أم أنها ترددات من جهة أخرى، وبالتالي يعطي قياس ارتفاع غير حقيقي ويمكن أن يوهم الطائرة بارتفاع خاطئ فيشكل خطر على الملاحة الجوية. أما الجهات الحكومية المعنية في الأردن فلديها الأنظمة المتطورة والقدرات الكفؤة والمسؤولية القانونية لتخطيط وتوزيع الترددات ومنع تداخلها ومنع تشويش الأنظمة المستخدمة للترددات على بعضها بعضا، فعند بدء شركات الاتصالات بالتجهيز لتوضيع أنظمة الجيل الخامس فلا بد من تنسيق خطة استخدام الترددات (RF plan) مع الجهة الحكومية المعنية، مع الأخذ بعين الاعتبار استخدام الترددات الأبعد عن ترددات أجهزه قياس ارتفاع الطائرات في المدى (4200-4400) ميجاهيرتز خصوصا في أبراج الاتصالات الأقرب للمطارات والأخرى التي يصل بثها للمطارات. كما أنه يستوجب على الشركات أن تتأكد من أنها تستخدم المرشحات (Filters) والتي تعمل على تقليل وتحجيم بث الترددات الجانبية التي تزيد على 3800 ميجاهيرتز أو القيمة الأعلى التي تستخدمها أنظمة الجيل الخامس الأقرب لترددات رادارات قياس ارتفاع الطائرات كما يجب على الجهة المعنية بإداره الترددات القيام بمسوحات فنية للمناطق القريبة من المطارات للتأكد من عدم بث انظمة الجيل الخامس للترددات الجانبية غير المرغوب بها في مناطق المطارات، وبرأيي فإن هذه الحلول كافية للحد من التأثير السلبي على عمل ترددات أنظمة قياس ارتفاع الطائرات علما بأن هذه الحلول أثبتت نجاعتها في أنظمة أخرى تستخدم الطيف الترددي.
التعليقات مغلقة.