رقمنة
الإدمان الرقمي هو اضطراب نفسي عصبي، يتمثل في استخدام قهري وغير منضبط للإنترنت أو الألعاب الإلكترونية حيث يكرر المدمن هذا السلوك على نحو غير ارادي كاستجابة لتوتر داخلي يعزله كليًا أو جزئيًا عن جوانب حياته وواقعه ومحيطه.
وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية (WHO) عام 2018 «اضطراب الألعاب الإلكترونية» رسميًا في التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11)، ضمن الامراض النفسية والعصبية.
ولهذا، فإن ما نرصده في بيوتنا من أطفال وشباب يعيشون على شاشة الهاتف لساعات، ليس مجرد أطفال يقضون وقتاً في هواية، بل هم عرضة لعملية تشكيل عصبي لعقولهم تهددهم بالادمان، إن لم يكونوا مدمنين بالفعل!
الإدمان الرقمي ظاهرة عالمية؛ فقد بلغ عدد المدمنين رقميًا في الصين حوالي 24 إلى 25 مليون شاب. أما في أوروبا، فتقرع الأرقام والإحصاءات ناقوس الخطر للتحذير من إدمان العصر: إدمان الشاشات والألعاب الإلكترونية. نحن أمام أجيال استبدلت المحيط الأسري والعلاقة العائلية بالإشعاع الأزرق.
محليًا، لم أوفق في الحصول على أرقام رسمية، لكن أغلب أطفالنا يتنقلون بحرية بين محتويات الإنترنت دون سقف نوعي أو زمني، وأغلب الآباء والأمهات لا يمثلون قدوة حسنة لأبنائهم في هذا المجال. ولن يصغي إليك الأطفال أو الشباب وأنت تعظهم بضرورة التعقّل في استخدام الهاتف أو الألعاب الإلكترونية، في حين أنك لا تترك هاتفك حتى وأنت تتناول طعام الغداء معهم! ولسان حالهم يقول: يا طبيب، طبّ لنفسك! القاعدة الذهبية في العلاج والوقاية من الإدمان هي الصلة الإنسانية.
ففي أغلب الأحيان، يلجأ الطفل إلى الشاشة لأنه لم يجد حضورًا واعيًا لوالديه في حياته، وافتقد دفء الواقع العملي الأسري، فهرع إلى الأشعة الزرقاء لتدفئة وحدته.
لكي أضيء شمعة، أقترح التالي:
– اعتماد مفهوم «سن الرشد الرقمي»، بحيث لا يجوز بيع هاتف ذكي لطفل عمره أقل من 14 عامًا، ولا يجوز للآباء والأمهات تزويد أطفالهم بمثل هذا الهاتف تحت طائلة المسؤولية.
– تسجيل كل مستخدم للهاتف بحيث يُمنع الطفل «تحت سن الرشد الرقمي» من استخدام الهاتف أو الألعاب الإلكترونية، ويجوز للأب أو الأم، في ظروف معينة، منح الابن «القاصر رقميًا» عددًا محددًا من الساعات أسبوعيًا لممارسة الألعاب الإلكترونية أو التصفح الآمن للإنترنت.
– منع استخدام أو اصطحاب الهواتف المتنقلة في المدارس، مع إيجاد حلول بديلة وآمنة لتواصل الأهل مع أطفالهم.
– إعادة تفعيل الكشافة في المدارس كبرامج تأهيل، وطريقة لإحياء العلاقات الواقعية مع المجتمع وأفراده، من خلال ممارسة الرياضة وتعلم الفنون الجماعية، مثل الدبكة، والموسيقا، والفن، والمسرح. كما يجب تدريب الأهل على الحضور الواعي في حياة أطفالهم، بما يغنيهم عن الغرق في فضاء الأشعة الزرقاء.
أيها القوم: نقول إن الشباب هو رأسمال هذا البلد، فإن كنتم تؤمنون حقًا بهذا، فعلى الأسرة أولًا، والدولة ثانيًا، التدخل الصارم لحماية هذا الرأسمال. فالهواتف الذكية والإنترنت أصبحا من أركان كل بيت، فلنعمل معًا لخلق توازن بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي، حتى لا نصل إلى مرحلة نصبح فيها مضطرين لإنشاء دائرة مكافحة الرقميات، اللهم قد بلغت، جنابكم.
الغد – سائد كراجة
التعليقات مغلقة.