رقمنة
الغد – ابراهيم المبيضين
في الوقت الذي تشهد فيه معظم القطاعات الاقتصادية تحولا رقميا في أعمالها وخدماتها المقدمة للجمهور، مع اعتمادية وتواجد كبير من قبل الناس على الشبكة العنكبوتية، تتعاظم فوائد التكنولوجيا المالية ومنافعها الاقتصادية والاجتماعية والمصرفية، ما يجعلها عنصرًا أساسيًا في مستقبل الصناعة المصرفية والاقتصاد الرقمي بشكل عام، وفقا لخبراء.
وأكد الخبراء أن العلاقة بين التطور التكنولوجي والصناعة المصرفية المحلية أصبحت علاقة وثيقة، عندما أدخلت التكنولوجيا في مراحل عديدة بداية من الأتمتة ثم الرقمنة وصولاً إلى التحول الرقمي في معظم الخدمات المالية المقدمة من القطاع، ومنها خدمات تسديد الفواتير الكترونيا مثل “اي فواتيركم” والمحافظ الإلكترونية “نظام جو مو بي”، ونظام الدفع “كليك”، إلى جانب مجموعة من الأنظمة ذات العلاقة بالتجارة كبطاقات الدفع اللاتلامسية ومنصات التجارة الإلكترونية وغيرها العديد من الأنظمة والخدمات.
وأشاروا إلى أن جميع هذه الأنظمة الرقمية شهدت نموا متزايدا في الاستخدام من قبل الأردنيين خلال السنوات الماضية في بلد يقدر فيه عدد مستخدمي الانترنت بأكثر من 10 ملايين، متوقعين لها المزيد من الانتشار والاستخدام لها في السنوات المقبلة.
وأكد الخبراء على الدور الكبير للبنك المركزي الأردني في تبني أنظمة الدفع الرقمية، مع ما تقدمه من جملة من المنافع على الاقتصاد، لعل أهمها تعزيز الاشتمال المالي والوصول إلى الفئات المستهدفة كالشباب والنساء والسكان في المناطق البعيدة، وتعزيز مستويات السيولة في الاقتصاد وتسريع دوران النقد في الاقتصاد الذي يعتبر عاملًا حيويًا في أي اقتصاد، وتسهيل حياة الناس وفتح آفاق جديدة للتجارة الإلكترونية وغيرها من الفوائد الاقتصادية.
وقال مدير عام جمعية البنوك الأردنية ماهر المحروق لـ”الغد” إنه نظراً لأهمية التكنولوجيا المالية في الصناعة المصرفية فقد أولى البنك المركزي حرصه الشديد لهذه الخدمات وتطويرها في السوق، وذلك ضمن إطار فوائدها الاقتصادية من جانب، ولتعزيز القطاع المصرفي والخدمات المقدمة من جانب آخر، مشيرا إلى أن توجهات البنك المركزي هذه تنسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي التي ركزت على تعزيز التكنولوجيا المالية وفتح الآفاق لها، وإدماجها في القطاعات الاقتصادية.
وأكد المحروق أن أنظمة الدفع الرقمية تسهم في تعزيز التوجهات القطاعية نحو التكنولوجيا، والمساهمة في تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي.
وأوضح أن أدوات الدفع الرقمي تساهم في تعزيز مستويات السيولة في الاقتصاد وتسريع دوران النقد في الاقتصاد الذي يعتبر عاملًا حيويًا في أي اقتصاد، حيث تشير إلى مدى تكرار تداول الأموال، مسترشدا بأرقام رسمية تظهر أنه تم تنفيذ حوالي 52.6 مليون حركة على نظام اي فواتيركم في عام 2023 بمبلغ إجمالي للحركات وصل إلى حوالي 11.6 مليار دينار. فيما وصلت القيمة الإجمالية للحركات عبر قنوات الإنترنت والموبايل المصرفي إلى قرابة 40 مليار دينار في عام 2023.
وقال المحروق إن أدوات الدفع الرقمي تسهم في تعزيز من كفاءة العمليات المالية من خلال تقليل الجهد والوقت اللازمين وإلغاء اشتراط التواجد المكاني للحصول على الخدمات المالية. فقد أصبح العملاء قادرين على إجراء المعاملات المالية في أي مكان وفي أي وقت.
وفي هذا الجانب أكد المحروق قائلا: “لا بد من التذكير أن أدوات الدفع الرقمي لم تتطور في جانب المستخدم فقط، بل شهدت أنظمة الدفع والتقاص وأنظمة المدفوعات الكبيرة – وهي أنظمة التعامل بين البنوك والقطاع المالي- لتطورات تكنولوجية كبيرة، فعلى سبيل المثال بلغ عدد أوامر الدفع المنفذة من خلال نظام غرفة التقاص الآلي إلى حوالي 10.7 مليون حركة في عام 2023 وبقيمة تقارب 8 مليار دينار”.
وأشار إلى أن من المنافع الاقتصادية لأنظمة الدفع الرقمي تخفيض التكلفة التشغيلية للبنوك، واستخدام الأدوات التكنولوجية لتجويد القرارات الائتمانية وتعزيز فهم وإدراك سلوك المستهلك واحتياجاته من خلال استخدام أدوات التحليل التكنولوجية كعلوم البيانات الضخمة وغيرها، لافتا إلى أنه ضمن التطور المستمر بلغ حجم استثمار القطاع المصرفي أكثر من ربع مليار دينار في الجانب التكنولوجي. ولهذا ينظر القطاع إلى أن التطور التكنولوجي أحد عناصر خفض التكاليف وتعزيز مستويات الأرباح.
أما على صعيد الدور الاقتصادي للقطاع المصرفي والمعروف بالدور الوسيط في الاقتصاد، فقد ساهمت أنظمة الدفع ، وفقا للمحروق، في فتح آفاق ومنافذ التجارة الإلكترونية والتسهيل التجارة البينية على القطاعات الاقتصادية والعملاء على حد سواء.
وفي هذا الإطار، استرشد المحروق بأرقام تظهر أن عدد التجار الذين يقبلون دفعاتهم عبر منصات التجارة الإلكترونية بلغ 2312 تاجرا في نهاية عام 2023، وقد تم من خلال منصات التجارة الإلكترونية ما يقارب 21.7 مليون حركة دفع بقيمة إجمالية 458 مليون دينار أردني في عام 2023، فيما عززت أجهزة نقاط البيع والتي وصلت إلى قرابة 90 ألف جهاز في عام 2023 وبطاقات الدفع اللاتلامسية إلى تطوير سلوكيات العملاء المالية، وتسهيل حركة البيع والشراء.
وأكد أنه من المنافع الاقتصادية المهمة لتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني؛ تعزيز الاشتمال المالي، مبينا أن تطوير الخدمات المالية الرقمية وأنظمة الدفع يسهم بشكل كبير في تقديم الخدمات المالية للأشخاص في المناطق النائية أو البعيدة وفئات محددة كالشباب والمرأة وذوي الدخل المنخفض، فضلا على أن هذه الخدمات تساعد على التخطيط المالي وتعزز الصحة المالية للأفراد، بالإضافة إلى إدماج الأفراد والشركات في الاقتصاد المنظم.
وأشار إلى دور أنظمة الدفع في تعزيز قدرة القطاع على فهم وإدراك سلوك المستهلك واحتياجاته من خلال استخدام أدوات التحليل التكنولوجية كعلوم البيانات الضخمة وغيرها، وفتح آفاق ومنافذ التجارة الإلكترونية وتسهيل التجارة البينية على القطاعات الاقتصادية والعملاء على حد سواء.
بيد أن المحروق أكد أن ثمة تحديات عامة واضحة ترافق استخدام أنظمة الدفع الرقمية، ومنها الحفاظ على الأمن والسلامة المعلوماتية والأمن السيبراني للخدمات المالية.
وقال: ” تعتبر المخاطر السيبرانية من أهم المحددات في تطوير واستخدام الخدمات الرقمية، وتعمل البنوك جنباً إلى جنب مع البنك المركزي للحد من مخاطر الأمن السيبراني، حيث استحدث البنك المركزي وحدة خاصة للاستجابة للحوادث السيبرانية للقطاع المالي، بالشراكة مع القطاع المصرفي، والتي تعمل أيضاً بالتنسيق مع المركز الوطني للأمن السيبراني، وقد باشرت الوحدة عملها بإطلاق الإصدار الأول في إطار الأمن السيبراني على مستوى القطاع المالي والمصرفي في شهر تموز 2021″.
وفي سياق متصل، توقع المؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة “مدفوعاتكم” المتخصصة في مجال الدفع الإلكتروني المهندس ناصر صالح المزيد من الانتشار والتوسع في استخدام أنظمة الدفع الإلكتروني خلال السنوات المقبلة مع تحول رقمي كبير تشهده معظم القطاعات الاقتصادية.
وقال صالح، الذي تشرف شركته على نظام “اي فواتيركم” في الأردن، إن من أهم أسباب زيادة انتشار الدفع الإلكتروني في الأردن هو وجود بنية تحتية قوية تدعم هذا النمو، ودعم من البنك المركزي الأردني لأنظمة الدفع الفورية لتعزيز الاشتمال المالي، فضلا عن انتشار الإنترنت وشبكات الاتصالات المتقدمة وزيادة اعتماد الناس على هذه الخدمات كوسيلة للتواصل وإنجاز المعاملات.
وأكد أن تلبية أنظمة الدفع الإلكتروني المختلفة لـ”حاجة” الناس، بتسهيل حياتهم، وزيادة وعيهم بها وباستخدامها أيضا، أسهم في انتشار استخدام هذه الأنظمة خلال السنوات الأخيرة ، موضحا أن المواطن اليوم ليس بحاجة إلى هدر وقت كبير وبذل جهد كبير بتشغيل سيارته للوصول إلى مؤسسة أو شركة مفوترة لتسديد فواتيره أو لتحويل أموال إلى قريب أو صديق، فمن خلال أنظمة الدفع الفوري يستطيع إنجاز كل هذه الخدمات من منزله أو من أي مكان بكبسة زر وبأمان.
وقال إن الأردن يشهد توسعا اليوم في استخدام أنظمة الدفع الفورية الرقمية التي تسهل تسديد الفواتير إلكترونيا، وتيسر التحويلات والمدفوعات الرقمية بين الأفراد والمؤسسات، فضلا عما يشهده من انتشار واسع للمحافظ الإلكترونية، التي تتيح للأفراد والشركات على حد سواء إجراء التحويلات المالية ودفع الفواتير عبر الهواتف المحمولة بسهولة، إلى جانب البطاقات الإلكترونية بأنواعها وأشكالها المختلفة والدفع عبر التطبيقات الذكية، التي توفر حلولا مبتكرة تعزز الاعتماد على الدفع الإلكتروني.
واشار إلى أنه من المتوقع أن يؤدي هذا الانتشار الواسع لأدوات الدفع الإلكتروني إلى زيادة نسب الشمول المالي، كونها تسهل الوصول إلى الخدمات المالية للأفراد غير المتعاملين مع البنوك، وقال: “تسهم هذه التطورات في تمكين فئات واسعة من المجتمع من المشاركة في الاقتصاد الرقمي، مما يعزز النمو الاقتصادي، يخلق فرص عمل جديدة، ويزيد من كفاءة الاقتصاد بشكل عام”.
وأكد صالح أن الدفع الإلكتروني يسهم في تحسين الكفاءة المالية وتقليل التكاليف التشغيلية للشركات والأفراد، لأنه يقلل الحاجة إلى المعاملات النقدية التقليدية وبالتالي يقلل من مخاطر السرقة والتلاعب بالأموال، لافتا إلى دوره في تسهيل عملية المدفوعات بين الأفراد والشركات، ما يعزز النشاط الاقتصادي بشكل عام ويزيد من حجم التعاملات التجارية الرقمية.
من جهته، اعتبر الخبير في مجال الاتصالات والتقنية وصفي الصفدي “الدفع الإلكتروني أداة قوية تسهم في تحسين كفاءة الاقتصاد الأردني وتعزيز الشمول المالي وتحفيز النمو الاقتصادي”، متوقعا له مزيد من الانتشار خلال السنوات المقبلة مع التحول الرقمي الذي تشهده معظم القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الحكومي.
وقال إن ثمة تحديات تواجه انتشار الدفع الإلكتروني بشكل عام ومنها نقص الوعي، مبينا أنه ما يزال هناك العديد من الأشخاص في الأردن الذين لا يعرفون عن فوائد الدفع الإلكتروني أو كيفية استخدامه.
ورغم تقدم البنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة إلا أن الصفدي يرى بأنها تحتاج إلى مزيد من التطوير من أجل دعم استخدام المدفوعات الإلكترونية على نطاق واسع.
وأكد على تحدي الثقة والأمان لأن بعض الأشخاص يخشون من استخدام المدفوعات الإلكترونية بسبب مخاوفهم من الاحتيال الإلكتروني.
ولدعم انتشار خدمات الدفع الإلكتروني، دعا الصفدي إلى زياد الجهود من قبل الحكومة أو الجهات المعنية للترويج لفوائد الدفع الإلكتروني وتسهيلها لحياة الناس، والعمل على تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل دعم استخدام المدفوعات الإلكترونية، مشيرا إلى أهمية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لزيادة استخدام المدفوعات الإلكترونية في الشركات والأعمال التجارية.
التعليقات مغلقة.