ذكاء اصطناعي

ألتمان يحذّر: لا تقللوا من شأن الذكاء الاصطناعي الصيني

رقمنة

في سباق عالمي محتدم للهيمنة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، أطلق سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، تحذيراً من خطأ استراتيجي قد ترتكبه الولايات المتحدة، يتمثل في التقليل من شأن التقدم الذي تحققه الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، في زمن تحوّلت فيه هذه التكنولوجيا إلى محرك استراتيجي، يعيد رسم موازين القوى العالمية، ويؤثر مباشرة في الاقتصاد والسياسة والأمن القومي.

ففي إحاطةٍ صحفيةٍ نادرة، أجريت منذ أيام مع مجموعة صغيرة من المراسلين الإخباريين، رأى ألتمان أن سباق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين متشابك للغاية، مشيراً إلى أن السياسات الامريكية التي تقوم على فرض قيود على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين ورغم أهميتها، قد لا تكون كافية لمجاراة الواقع التقني، إذ يمكن للصين أن تتجاوزها، عبر تطوير قدراتها الذاتية في تصنيع اشباه الموصلات، أو إيجاد طرق بديلة لإنشاء نماذج للذكاء الاصطناعي بشكل سريع، خصوصاً تلك التي تعمل على الاستدلال والتحليل.

وشدد ألتمان على أن السباق التقني لا يقتصر على الأجهزة فقط، بل يشمل البحث العلمي، بناء النماذج، والبرمجيات مفتوحة المصدر، ما يجعل القدرة الصينية على المنافسة أسرع، وأكثر شمولية مما قد يظنه البعض، لافتاً إلى أن قيام الشركات الصينية بطرح نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، كان أحد الأسباب التي دفعت ” اوبن اييه اي ” إلى تحويل بعض إصداراتها إلى نماذج مفتوحة المصدر، وذلك منعاً من اتجاه العالم إلى الاعتماد بشكل أساسي على النماذج الصينية مفتوحة المصدر.

واشنطن تُعيد رسم استراتيجيتها

وتأتي تصريحات رئيس ” اوبن اييه اي” في وقت تُعيد فيه واشنطن رسم استراتيجيتها للحد من طموحات بكين في مجال الذكاء الاصطناعي، فبعد أن شددت إدارة بايدن القيود على تصدير الرقائق المتطورة ، اتخذ الرئيس دونالد ترامب خطوة أكثر صرامة في أبريل الماضي، بإيقاف توريد هذه الرقائق بشكل كامل، بما في ذلك النماذج التي كانت قد صُممت أصلاً للامتثال لقواعد تصدير الرقائق إلى الصين.

غير أن الولايات المتحدة منحت منذ نحو أسبوعين، استثناءً يسمح ببيع بعض الرقائق “الآمنة للصين”، في إطار اتفاقية مثيرة للجدل وغير مسبوقة، تُلزم شركتي ” انفيديا ” و ” اييه ام دي”  بتحويل 15 في المئة من عائداتهما من مبيعات الرقائق في السوق الصينية، إلى الحكومة الفيدرالية.

تصريحات مُهينة

وفي ظل هذه التطورات، فجّرت تصريحات أدلى بها وزير التجارة الامريكي هوارد لوتنيك، أزمة جديدة مع الصين ففي مقابلة مع شبكة CNBC قال لوتنيك، إن بلاده لا تبيع أفضل منتجاتها من الرقائق للصين، ولا ثاني أفضلها، ولا حتى ثالثها، بل هي تُبقيها عند المستوى الرابع، مشيراً إلى أن الهدف هو أن يظل الصينيون متأخرين بخطوة، وأن يواصلوا الاعتماد على الرقائق الامريكية. 

وهذه التصريحات اعتبرتها بكين “إهانة مباشرة”، وردت عليها من خلال إصدار إدارة الفضاء السيبراني الصينية CAC، إشعاراً غير رسمي، طلبت فيه من شركات كبرى مثل بايت دانس وعلي بابا التوقف عن تقديم طلبات جديدة لرقاقات H20 من إنفيديا إلى حين الانتهاء من “مراجعة أمنية وطنية”، في حين وجّهت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح إشعاراً مماثلاً يدعو كافة الشركات التقنية المحلية، إلى تجنّب شراء أي من شرائح إنفيديا، لتجنب الوقوع تحت طائلة غرامات كبيرة.

ويقول المطور التكنولوجي هشام الناطور، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تصريحات سام ألتمان الأخيرة، لا يمكن التعامل معها كوجهة نظر تقنية بحتة، بل كجرس إنذار في قلب معركة جيوسياسية، فرئيس OpenAI يلفت انتباه الإدارة الأميركية، إلى أن حصر  المنافسة مع الصين في مسألة الرقائق، تُمثّل نقطة ضعف قاتلة في معركة القرن، حيث أن التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، لا يُبنى فقط على العتاد، بل على منظومة متكاملة تشمل البحث العلمي والبيانات والبرمجيات مفتوحة المصدر، وسرعة التطبيق التجاري، وهذا بالضبط ما يُميز الصين القادرة على تحويل أي ابتكار علمي، إلى منتج عملي في السوق بسرعة قياسية.

بكين تتكيّف دائماً

ويرى الناطور، أن الخطأ الأميركي لا ينحصر فقط في التقليل من شأن قدرات الصين، بل في الاعتقاد أن العقوبات وحدها كافية لعرقلة تقدمها في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ أثبتت بكين تاريخياً قدرتها على التكيّف مع الضغوط  التقنية ، فمثلاً عندما قيّدت واشنطن وصول هواوي إلى نظام أندرويد الأميركي لتشغيل الهواتف الذكية، استثمرت هواوي مليارات الدولارات لتطوير بدائل صينية، واليوم نرى الشركة الصينية تعود إلى المنافسة عالمياً في سوق الهواتف.

شعور زائف بالأمان

وبحسب الناطور فإن الخطير في تصريحات وزير التجارة الأميركي، بشأن حصول الصين على “المستوى الرابع” من الرقائق، هو أن هكذا تصريحات تعطي الأميركيين شعوراً زائفاً بالأمان، فما لم تدركه واشنطن أن تفوقها في الرقائق لن يكون دائماً ورقة ضغط مضمونة، مشدداً على أن الذكاء الاصطناعي  هو مجال ديناميكي، والابتكار فيه قد يأتي من البرمجيات أو الخوارزميات، وليس فقط من العتاد، وهذا ما حذّر منه ألتمان.

كلفة زمنية وتقنية

من جهته يقول الكاتب والمحلل في شؤون الذكاء الاصطناعي ألان القارح، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن واشنطن تدرك جيداً أن القيود على صادرات الرقائق، لن تكون وحدها كافية لإيقاف الصين في مسار الذكاء الاصطناعي، فبكين تملك قاعدة بشرية علمية ضخمة وتستثمر بشكل متسارع في تطوير بدائل محلية، ولكن القيود الأميركية تظل ورقة مؤثرة كونها تُبطئ التقدم الصيني، وتفرض على بكين دفع كلفة زمنية وتقنية إضافية، مشيراً إلى أن عامل الوقت في سباق الذكاء الاصطناعي، يكتسب أهمية استراتيجية كبرى بحد ذاته.

انتصار تكتيكي لأميركا

ويعتبر القارح أن السياسة الأميركية لمنع الصين من التقدم في سباق الذكاء الاصطناعي، أصبحت قائمة على مبدأ إغلاق الأبواب التي تستفيد منها بكين، واحداً تلو الآخر، فعندما ترى واشنطن أن الصين بدأت تعتمد على منفذ معين، مثل تكليف شركات وسيطة في جنوب شرق آسيا لشراء الرقائق المتقدمة من أميركا، فإنها تسارع إلى سد هذه الثغرة، وهذا النهج يعكس إدراك واشنطن بأن السباق مع الصين لن يُحسم بقرار واحد، بل بسلسلة من الإجراءات التراكمية، ما يعدّ بحد ذاته انتصاراً تكتيكياً لأميركا، لأنه يُحوّل جزءاً من طاقة الصين إلى “دفاع” بدلاً من “هجوم”.

ويشير القارح إلى أن واشنطن لا تكتفي بمحاصرة الصين عبر تقييد وصولها إلى موارد الذكاء الاصطناعي، بل تسير في مسار موازٍ يقوم على ضخ استثمارات ضخمة لتمويل مصانع متقدمة داخل أراضيها، وتعزيز سلاسل التوريد الحيوية، وهكذا تتجلى معادلة الاستراتيجية الأميركية الجديدة، المتمثلة بإغلاق المنافذ أمام الصين وفتحها على مصراعيها أمام الشركات الأميركية.

سكاي نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى